من حقوق الراعي والرعية في الإسلام ذ.محمد أبوالفتح

معلوم أن الله تعالى خلق الخلقَ جميعَهم لغاية عظيمة، ألا وهي تحقيقُ العبودية له، كما قال تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ” (الذاريات:56-57)؛ ولأجل هذه الغاية الجليلة أنزل الله تعالى الكتبَ هُدًى للناس، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، يبشرون من اجتهد في تحقيق هذه الغاية بالجنة والرضوان، وينذرون من تكبر عنها بالجحيم والهوان.
أرسلهم الله تعالى ليُدَانَ له بالطاعة، وحُقَّ له -سبحانه- أن يُطاع، وبعثهم ليُنَفَّذَ حكمُه، وحُقَّ لشرعه أن يقام.
فمن يُطاع يا قومِ إذا لم يُطَع الله في ملكه وسلطانه؟!
ومن يُحَكَّم إذا لم يُرْتَضَ الله حَكَماً على بلاده وعباده؟!
“أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة:50).
فالنظام الإسلامي يقوم على التعاون بين الحاكم والمحكوم؛ من أجل تحقيق الغاية من الخلق، أي: تحقيق العبودية لله، ويتأسس هذا النظام على التآزر بين الراعي والرعية؛ من أجل طاعة رب البرية، وذلك بأن يقوم كل طرف بما أوجب الله عليه تجاه الطرف الآخر.
 
من حقوق الرعية على الراعي
من حقوق الرعية على الراعي في الإسلام: أن يُقيم فيهم شرع الله، وأن يحكمَ بينهم بالعدل، فَيَنْتَصِفَ للمظلوم من ظالمه، ويَرُدَّ الحق إلى نِصابه، عملا بقوله تعالى: “إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً” (النساء58).
ومن حقوقهم عليه أن يأخذ الحق من غنيهم لفقيرهم، لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ؛ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ؛ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ»  (متفق عليه).
ومن حقوقهم عليه أن يرفق بهم، ولا يشق عليهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» (مسلم).

من حقوق الراعي على الرعية
من حقوق الراعي على الرعية في الإسلام أن يطيعوه في غير معصية، عملا بقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ” (النساء59)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي» (مسلم وفي لفظ له: “من أطاع الأمير” عوض قوله: “أميري”).
ومن حقوقه عليهم أن يعينوه إذا أحسن، وأن ينصحوا له إذا أساء، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ» (مسلم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: “ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ[1] عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومِ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ” (صحيح الجامع).
ومن آداب النصيحة لولاة الأمر وغيرهم من الناس أن يُراعى فيها الرفق والإسرار دون الإعلان؛ عملا بما ورد عنه عليه الصلاة السلام: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُلْطَانٍ؛ فَلاَ يُبْدِهِ عَلاَنِيَةً، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلاَّ كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ” (أحمد وصححه الألباني)، ولأن ذلك أدعى بأن تحظى نصيحته بالقبول والعرفان، فالنصيحة على رؤوس الأشهاد فضيحة.
وبقيام الراعي والرعية بما يجب عليهم من الحقوق تتحقق الغاية من الخلق، فيستقيم أمرُ الدين والدنيا، ويستقر أمر البلاد والعباد، وينعم الجميع بالأمن والأمان، ويسعد الناس في هذه الدنيا ويوم المعاد.
هذه هي علاقة الراعي بالرعية، والرعية بالراعي في الإسلام: محبةٌ، ونصيحةٌ، وتعاونٌ على البر والتقوى، ودعاءٌ بالخير والصلاح، كما قال صلى الله عليه وسلم: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟! فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ» (مسلم).
نسأل الله تعالى أن يوفق ولاة أمور المسلمين لما يحب ويرضى، وأن يصلح بهم البلاد والعباد، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين.

[1] – أي: لا يدخله خيانة فيهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *