اعتبر الأستاذ رفيقي أن الدفاع عن بني أمية وبني العباس نصب، وإن تبرأ المدافع عنهم ألف مرة من النصب فهو نصب. بل هو من أعلى مظاهر النصب. وجرائم بني أمية وبني العباس لا تعد ولا تحصى ضد آل البيت فقد آذوهم وقتلوهم وذبحوهم وسجنوهم وتركوهم في السجون جياعا عطاشا حتى ماتوا من أثر الجوع والعطش. ونحن -يقصد أهل السنة- لا همَّ لنا إلا الدفاع عنهم وستر هذه الجرائم. بل كثير من المترجمين -يقصد من أهل السنة- للصحابة غضوا الطرف عن فضائل آل البيت كفاطمة وجعفر وحمزة والعباس.
(باحو): ولا يقول مثل هذا الكلام إلا من قَلَّ اطلاعه على كتب السنة. فلم يغضوا الطرف عن تراجم آل البيت فتراجمهم مشهورة منشورة في كافة كتب تراجم الصحابة، بما فيها الكتاب الذي تشرفت بتحقيقه وطبعه: (الجامع) للحافظ الرعيني. وهو ثاني أفضل كتاب في تراجم الصحابة بعد الإصابة.
وأُفردت تراجم بعضهم بالتأليف، منها إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل لعبد الرؤوف بن علي المناوي، ومناقب جعفر للضياء المقدسي، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى لمحب الدين أحمد بن عبد الله الطبري وغيرها. وهي مطبوعة. وللسيوطي: الثغور الباسمة في مناقب السيدة فاطمة. كشف الظنون (2/ 1844). ولابن السكاك محمد بن محمد المكناسي المالكي المتوفى سنة 807: نصح ملوك الإسلام بالتعريف بما يجب عليهم من حقوق آل البيت الكرام. هدية العارفين (2/ 177). وقرة العين في فضائل الشيخين والصهرين والسبطين لأبي ذر أحمد بن إبراهيم الحلبي المتوفى سنة 884. كشف الظنون (2/ 1325). ومناقب السبطين لأبي عبد الله التجيبي. هدية العارفين (2/ 109). ودرر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والسبطين لمحمد بن يوسف الزرندي المتوفى سنة 750. هدية العارفين (2/ 157). وغير ذلك كثير.
وأما علي رضي الله عنه فأفرده بالترجمة كثيرون. ومما طبع منها مناقب الأسد الغالب علي بن أبي طالب لشمس الدين ابن الجزري؛ وخصائص علي للنسائي؛ ومناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للحافظ أبي الحسن علي بن محمد المغازلي وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب لمحمد بن أحمد الباعوني الشافعي وغيرها.
وما ذكره -رفيقي- عن بني أمية وبني العباس وُجد بعض ذلك منهم، وهو منكر عظيم نبرأ إلى الله منه. وبعضه من رواية غير الموثوقين، وإذا كانت الكتب ملئت كذبا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكيف بمن دونه؟
وكتب التاريخ من أكثر الكتب تساهلا، وقد جرت عادتهم بحكاية ما سمعوه بغض النظر عن صحته، وكثيرٌ من الأخبار التي نقلوها في سندها كذابون أو متروكون وضعفاء ومجاهيل، وبعضها مرسل وبعضها محكي بلا سند، فينبغي التفطن لهذا. وخصوصا كتب بعض المتأثرين بالتشيع كالمسعودي وأبي الفرج الأصفهاني. وفي تاريخ الطبري -وإن كان سنيا- روايات تاريخية من طريق لوط أبي مخنف الشيعي وغيره من المتروكين كما هو مشهور عند العلماء.
ومن دافع عن بني أمية وبني العباس دافع باعتبار ما لهم من فضل في الدفاع عن الإسلام ونشره، مع تبرئهم مما كان من جرائم لبعضهم، وقد كان لعلمائنا من الفقه والمعرفة بالمصالح والمفاسد ما جعلهم يضعون كل شيء في موضعه، ويقدمون ما حقه التقديم؛ ويدفعون المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى. ومن المنتظر من خِرِّيج الجامعة الإسلامية العلم بهذه البديهيات. والله الموفق.