لماذا اخترنا الملف؟

قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبونَ اللَّهَ فَاتَّبعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران:31).

قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: (يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصاقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه صلى الله عليه وسلم، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر إذ لو كان محباً له لأطاعه، ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة ومنه قول الشاعر:
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني فرطكم على الحوض، من مرَّ عليَّ شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردنَّ علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي” متفق عليه.
انطلاقا من هذه الآية الكريمة ومن الحديث النبوي الشريف وغيرهما، فهم الصحابة -أبر هذه الأمة قلوبا وأصدقهم حديثا، وأعمقهم علما- ألا طريق موصلة إلى مرضات رب العالمين إلا بالتمسك بالسنة والأثر، والعض عليهما بالنواجد، وعدم مخالفتهما وإن استحسن ذلك العقل أو زينه الواقع، ذلك لأن الابتداع باب الشيطان إلى الغواية والإضلال والضلال.
فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي قال فيه الصادق المصدوق: “رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد”، يوصينا فيقول: “اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم”، ويقول “نحن قوم نتبع ولا نبتدع، ونقتدي ولا نبتدي، ولن نضل ما إن تمسكنا بالأثر”، وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: “كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة”، وذاك حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه يقول: “كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوا بها فإن الأول لم يـدع للآخـر مقالاً..”.
وقد كان علماء المغرب وولاته -رحمهم الله- حبلا موصولا لسلف أمتنا الصالح، فوقفوا سدا منيعا في وجه البدع والمحدثات وحذروا منها قولا وعملا وتصنيفا.. فهذا المولى سليمان رحمه الله تعالى يقف خطيبا بين صفوف أبنائه وشعبه قائلا: “..واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها ملتبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء والبدع ويلبسون، وافترقوا أوزاعا وانتزعوا الأديان والأموال انتزاعا، فيما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا..” إلى آخر كلامه.
وصنف ابن وضاح القرطبي كتابه البدع والنهي عنها وكذا أبو بكر الطرطوشي المالكي، والإمام الشاطبي الذي اتفق كل المالكية -بل كل أهل السنة والجماعة- على الإشادة بكتابه الاعتصام الذي نسف فيه البدع نسفا وأتى على أصولها من القواعد، وصنف العلامة الراحل رئيس المجلس العلمي بالرباط ووزير الأوقاف سابقا المكي الناصري رحمه الله تعالى كتابه “علاج الخليقة” شنع فيه على المعظمين القبور والأضرحة وأكد على وجوب اتباع السنة وترك البدع والمحدثات، فقال رحمه الله: “..ومنهم من لم يرضوا بالشرع المبين، فابتدعوا أحكاما في الدين وشرعوا واجبات وسننا ومستحبات واخترعوا عبادات وقربات، لم يأت بها الإسلام ولا عهد له بها، كأن الله تعالى ترك لنا ديننا ناقصا فأكملوه, وأودع لنا فيه سبحانه بعض الفساد فلم يوافقوا عليه وأصلحوه، أو لم ينزل على رسوله يوم حجة الوداع تلك الآية الكريمة المشيرة إلى إكمال هذا الدين الإسلامي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} (المائدة:3) أو لم يقل رسوله في خطبته فيها: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي” اهـ.
وأنكر مفتي رابطة علماء المغرب الشيخ محمد كنوني المذكوري وعلامة المغرب الشيخ عبد الله كنون، وغيرهم كثير من العلماء الذين يضيق المقام بحصرهم البدعَ والمحدثاتِ التي انتشرت في وقتهم.
وقد شاع في العصر الحديث أن الدعوة الوهابية أو أتباع الوهابية هم من يرفع لواء الحرب على القبورية والصوفية والانحرافات العقدية الخطيرة التي تعج بها المواسم والأضرحة والزوايا، لكن الحقيقة أن المذاهب الإسلامية المعتبرة كلها تنبذ وتحذر من المبالغة في تعظيم القبور والبناء عليها والتمسح بها ودعوة مقبوريها دون الله تعالى.
ومن جملة تلك المذاهب المذهب المالكي، فقد كان الإمام مالك رحمه الله تعالى ينهى عن تشييد القبور والبناء عليها وتجصيصها وغير ذلك، وتبعه على ذلك علماء المذهب المعتبرين، وشنع العلامة المكي الناصري في كتابه علاج الخليقة على من اتخذوا القبور حرمات ومعابد، فبنوا عليها المساجد والمشاهد، وزخرفوها بما يجاوز حد السرف بمراتب..
وألف العلامة أحمد بن محمد بن تاويت التطواني رسالة سماها: “إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور والصلاة بالزوايا”، حرم فيه البناء على القبور والصلاة في المقابر والزوايا.
فموضوع المحدثات والبدع موضوع قديم، فتح العلماء النقاش حوله وفصوا القول فيه تفصيلا، ووقع بينهم اتفاق في الحكم على البدعة ومن تلبس بها، قال ابن الحاج المالكي في المدخل: وقد نقل الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتاب إلجام العوام عن علم الكلام: “اتفقت الأمة قاطبة على ذم البدعة، وزجر المبتدع، وتعتيب من يُعرف بالبدعة”. اهـ.
ولتسليط الضوء على جانب من هذا النقاش المهم وعلى خطورة الابتداع في الدين ومعارضته للشريعة الإسلامية وموقف علماء المالكية القدماء والمحدثون من البدعة ومن تلبس بها ارتأت جريدة السبيل فتح ملف حول هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *