مفاوضات «إكس ليبان».. التاريخ والفكرة

كانت الهزيمة التي منيت بها القوات الفرنسية في ديان بيان فو خلال سنة 1954م سببا إلى عقد اتفاقات جنيف (استقلال الهند الصينية)؛ وفي ذلك الخضم جاء «بيير منديس فرانس» بحل للأزمة الفرنسية التونسية بمنحه الاستقلالية الداخلية للوصاية على العرش، ومع مستهل نونبر 1954م بدأ عصيان في المقاطعات الجزائرية الخاضعة للإدارة الفرنسية، وباتت القضية المغربية قنبلة حقيقية، كان من تجلياتها الانتفاضة التي اندلعت بمناسبة الذكرى الثانية لنفس السلطان بـ«فليب فيل» في الجزائر وبين الأمازيغ في الأطلس المتوسط؛ خنيفرة ووادي زم سقط فيها عشرات القتلى من الأوربيين؛ ليُنتقم لهم بقتل الآلاف من المغاربة.
وفي 22 غشت دعا رئيس الحكومة «إدكار فور» ممثلي الاتجاهات المغربية جميعا إلى المشاركات في محادثات «إيكس ليبان»؛ حيث فرض الوطنيون أنفسهم بكونهم المحاورين الحقيقيين الوحيدين، ثم كان التوصل في 28 غشت إلى اتفاق يقضي برحيل بنعرفة وضرورة إرجاع محمدا الخامس إلى باريس، درءاً لتفجر الحكومة الفرنسية.
وكان الوفد الفرنسي المفوض الذي حضر مناقشات «إيكس ليبان» يتكون من «إدكار فور» رئيس الحكومة، وبيناي وزير الشؤون الخارجية والجنرال «كوينغ» وزير الدفاع و«روبير شومان» و«بيير جولي»، بينما كان الوفد المغربي يتشكل من 37 شخصية كان من بينهم مبارك البكاي والحاج الفاطمي السليماني، والحاج محمد المقري إضافة إلى ممثلي الأحزاب عبد الرحيم بوعبيد ومحمد اليازيدي وعمر بن عبد الجليل والمهدي بن بركة من جانب حزب الاستقلال وعبد القادر بن جلون وأحمد بنسودة وعبد الهادي بوطالب ومحمد الشرقاوي من طرف حزب الشورى والاستقلال، إلى جانب الشخصيات السياسية وجد بعض العلماء كالسيد جواد الصقلي وحميد العراقي.
كان المخطط الذي خرجت به مفاوضات «إيكس ليبان» ينتظر لكسب الشرعية القانونية، المصادقة من طرف سلطان المغرب الشرعي. فمادام أن السلطات الفرنسية قد وقعت معاهدة الحماية مع السلطان في شخص مولاي عبد الحفيظ سنة 1912، فقد كان لزاما عليها من الناحية القانونية أن يتم التفاوض على مبدأ الاستقلال مع الملك محمد بن يوسف.
أرسل الجنرال «كاترو» في مطلع شهر شتنبر إلى «أنسيرابي» لانتزاع الموافقة من السلطان المخلوع على اتفاقات «إيكس ليبان» وهو ما كان، واستقال ابن عرفة في 01 أكتوبر تاركا مكانه لذلك المجلس الخرافي (مجلس العرش) الذي ضم الباشا الكلاوي والصدر الأعظم المقري ومبارك البكاي ممثلا للسلطان، وقد أدى انقلاب الباشا الكلاوي إلى جانب السلطان إلى التسريع من وثيرة الأحداث، فقد طالب حزب الاستقلال في 26 أكتوبر بالعودة الفورية لمحمد بن يوسف إلى العرش، وما أن عاد إلى «نيس» في 31 أكتوبر حتى بدأ الإعداد للمفاوضات مع الحكومة الفرنسية.
وقد أدى قرار الإقامة العامة بنفي السلطان محمد بن يوسف، والذي تم في فترة متزامنة مع مناسبة الاحتفال بعيد الأضحى، إلى انتشار سخط عارم وسط الشعب المغربي، واجه السلطان محمد الخامس هذا الحدث الأليم الذي وقع في التاريخ الوطني المغربي بعزم وثبات معتمدا بعد الله تعالى على إيمانه وإخلاص شعبه الوفي الذي لم يقبل أبدا أن يبعد عنه الأب الروحي للوطنية المغربية. وفي 06 من نونبر انطلقت المفاوضات في «لاسيل سان كلو» للاتفاق على إقامة –تبعية متبادلة- مع فرنسا.
وفي هذا السياق، اندلعت أحداث دموية في العديد من المدن والبوادي؛ وأمام هول وشراسة المقاومة، لم يجد الفرنسيون بدا من الرضوخ لفكرة إعادة السلطان الشرعي محمد بن يوسف إلى بلده والعدول عن فكرة إبعاده عن العرش. وفي هذا الإطار عاد الملك إلى أرض الوطن في 16 نونبر 1955 ليعلن بذلك بداية أفول الاستعمار وبزوغ شمس الاستقلال.
وعاد السلطان إلى المغرب في 16 نونبر 1955م، وهب لاستقباله ما يزيد على 300.000 من المناضلين الوطنيين في مطار الرباط سلا، وقد نادى السلطان في خطاب العرش ليوم 18 نونبر بـ(انتهاء عهد الحجر والحماية)؛ وبزوغ فجر الاستقلال والحرية.
وفي 07 دجنبر 1957 تشكلت أول حكومة للمغرب المستقل برئاسة الضابط الأمازيغي مبارك البكاي، الذي سبق أن كلف بترؤس المفاوضات على الاستقلال، ثم كان في انهيار السلطة الإدارية واندفاع جيش التحرير المغربي ما عجل بإلغاء معاهدة فاس.
فكان التوقيع على معاهدة الاستقلال في 02 مارس 1956، وألغيت الحماية الإسبانية على شمال إفريقيا في 07 أبريل بعده. (انظر: تاريخ المغرب منذ الاستقلال؛ بيير فيرموريين ترجمة عبد الرحيم حزل).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *