لماذا اخترنا الملف؟

على مدار ثلاث أسابيع عاش العالم أجمع مسلسل رعب من الدرجة الأولى، ساحته قطاع غزة ذو 45 كلم، قصف من البر والبحر والجو، طائرات استطلاع وأخرى حربية ودبابات وبوارج، قصف يتعاقب بالليل والنهار، وأسلحة محرمة دوليا وأخرى تجرب لأول مرة في أرض غزة، كل هذه الترسانة الحديثة المتطورة سخرت للإجهاز على شعب أعزل لا يملك بعد الله تعالى سوى مقاومة تعتمد أسلحة بدائية، غير أنها متسلحة بدينها معتزة بهويتها أبت الرضوخ والركوع لقوى الاحتلال والظلم والعدوان، والجلوس على طاولات مفاوضات الذل والمهانة مع الصهاينة المتغطرسين.
علما أن مسيرة المفاوضات والمؤتمرات لم يستفد منها إلا الكيان الغاشم بمزيد من الاستيطان والتهويد..، والدليل ما حدث في مؤتمرات جنيف 1974م، وكامب ديفيد 1978م، ومدريد 1991م وأوسلو 1993م وأنا بوليس 2008م.
واليهود هم نقضة العهود قال تعالى: “أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ”، أينتظر ممن نقضوا عهود ربهم وقتلوا الأنبياء الذين أرسلوا فيهم أن يفوا بعهودهم اتجاه أعدائهم، أم ترانا أمة لا تعقل ولا تتعظ؟ وإلا فالقرآن العظيم قد كشف لنا عن حقيقتهم وجلَّى لنا أمرهم.
غير أن البعض منا بدلاً من أن يواجه مسئولياته الأخلاقية تجاه هذا الاحتلال الوحشي راح يبحث عن أسباب غير موضوعية ليعلق عليها فشله وعجزه وتواطؤه، وإذا كان من المفهوم أن تقول دوائر العدو الصهيوني والأمريكي والإعلام الموالي لها أن السبب وراء قصف غزة هو سيطرة المقاومة الإسلامية عليها، أو إطلاق صواريخ القسام على المستعمرات الصهيونية، فإن من الغريب أن البعض منا راح يردد نفس تلك الأكاذيب مروجا لها.
علما أن معاناة قطاع غزة لم تنقطع سواء مع وجود المقاومة الإسلامية أو قبل أن يعرف أحد هذا الاسم أصلا، وتلك المعاناة لم تنقطع، سواء قام الفلسطينيون بأي نوع من المقاومة أو لم يقوموا..
فمعاناة الشعب الفلسطيني عموماً، وأهل غزة خصوصاً لم تنقطع أصلا سواء قام الفلسطينيون بأي نوع من المقاومة أو لم يقوموا، وبديهي أن المعاناة مع المقاومة أفضل من المعاناة بدونها، على الأقل هناك نوع من العزاء ولو على مستوى الكرامة.
ومن المعروف أيضاً أن المقاومة الفلسطينية عرضت أكثر من مرة وقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الصهيونية مقابل توقف العدوان الصهيوني على غزة ورفع الحصار عنها، ولكن العدو الصهيوني هو الذي لم يقبل، فهل تقف المقاومة الإسلامية مكتوفة الأيدي تنظر في حسرة إلى أبنائها وأبناء الشعب الفلسطيني يموتون ويسجنون دون حراك؟!
الأكثر دلالة هنا هو أن الضفة الغربية ذاتها تتعرض لعمليات صهيونية وعدوان وقتل واعتقال، الأمر الذي يعني أنه لا خصوصية لغزة في هذا الصدد.
ثم يجب أن نسجل هنا أن الرئيس ياسر عرفات كان قد وقع اتفاقية “أوسلو” مع العدو الصهيوني، ومع ذلك تعرض للحصار في رام الله، بل وانتهى مقتولاً بالسم على يد الصهاينة، فالعدوان إذن خلق صهيوني مستمر والأفعى لا تنفث إلا سماً! ومن ثم فإن المقاومة الإسلامية ليست السبب في المعاناة وإلا فلماذا حاصروا ياسر عرفات؟
إن الذين يرددون هذا الكلام، هم في الحقيقة يشاركون في خطة القضاء على المقاومة الإسلامية، بل والقضاء على مستقبل الجهاد الفلسطيني لحساب الكيان الصهيوني وأمريكا والقوى الفلسطينية والعربية العلمانية المتواطئة، التي ترضى سلاماً ذليلاً، وحتى هذا السلام الذليل لن تحصل عليه، لأن الكيان الصهيوني لن يعطي إلا الدم والنار.
إنَّ الأمةَ الإسلاميةَ اليوم تجتازُ مرحلةً خطيرةً من مراحل حياتها؛ مرحلةَ قوَّةٍ، أو ضَعْفٍ؛ فلقد اعتدى الأعداء على بلادها، وأراضيها، ودنَّسوا مقدساتها، وانتهكوا محرماتها، وغيروا مناهجها وعاثوا في أرجائها الفساد فأصبح خيار المقاومة لهذا المد فرضاً عينياً على كلِّ قادرٍ لتحرير البلاد، وإنقاذا لمقدساته من أيدي الطغاة المعتدين الذين اعتدوا على الحرمات والمقدسات.
إن أسلافَنا الأكرمين قد سلَّموا لنا هذه البلاد المقدسةَ سالمةً نقيةً، وهي أمانةٌ في أعناقِنا علينا أن نُسلمها إلى الأجيالِ القادمةِ كما تسلَّمناها سالمةً نقية.
لقد كشفت محرقة غزة اللثام عن أمور عدة، كشفت لنا حقيقة الأنظمة العربية والدولية، كشفت لنا عن حقد الصهاينة الدفين اتجاه المسلمين، كشفت لنا حقيقة العلمانيين وتواطئهم مع الصهاينة، كشفت لنا عن جدوى التحاكم إلى الشرعية الدولية وانتظار حل قضايانا المصيرية من خلال مثل هذه المنظمات..
وفي هذا المقام لا بد لنا أن نعترف نحن أيضا أننا بابتعادنا عن الله، وعن دينه، والعمل بتعاليمه، وإقامة حدوده، وإثارنا مصالحنَا الشخصية على مصالح الأُمة العامة، واختلاف كلمتنا، وإهمالنا إعداد العُدَّة المادية والروحية التي أمرنا الله بإعدادها، وتفرُّقنا شيعاً وأحزاباً كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون؛ كلُّ ذلك قد سهَّل للأعداء تنفيذ مؤامراتهم، وتحقيق مكائدهم فسلبوا أرضنا، وانتهكوا حرمة مقدساتنا، وساموا أهلنا الخسف والاضطهاد وسوء العذاب.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا تبايَعتُم بالعِيْنَةِ، وأخذتُم أذنابَ البقر، ورضيتُم بالزَّرعِ، وتركتُم الجهاد، سلَّطَ الله عليكم ذُلاً لا يَنْزِعُهُ حتى تَرجِعوا إلى دينكم” (أحمد وأبو داود، انظر كتاب فلسطين والحل الإسلامي).
فنحن اليوم نخوضُ معركةً مصيريةً مع عدونا الغادرِ الماكرِ، وليس لنا من سبيل إلى التَّغلُّبِ عليهم إلا بالرجوع إلى الله، والاعتصام بحبله المتين، واتباع تعاليم الإسلام ومبادئه الرشيدة، التي كان التمسك بها عند المسلمين الأوائل، والعمل بموجبها سبباً في انتصارهم على أعدائهم، وامتداد فتوحاتهم في الشرق والغرب.
ولتجلية الصورة وتوضيح التواطؤ الصهيوني العلماني على القضية الفلسطينية ارتأت جريدة السبيل إعداد ملف في الموضوع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *