علمنة دستور بنجلاديش

في الفترة الأخيرة؛ تصاعدت وثيرة الأحداث في بنجلاديش باتجاه التضييق على الإسلاميين، الأمر الذي يطرح المزيد من التساؤلات التي يمكن تفسيرها في ضوء مربع استراتيجي، يستهدف تصفية ووقف المد الإسلامي في شبه القارة الهندية، ما يصب حتما في صالح أهداف المربع الاستراتيجي، الذي يضم الهند وأمريكا والصهاينة وشبكة المنصرين الواسعة…
هذا المربع الذي استخدم رئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة واجد المحكومة برغبة جامعة في تصفية حسابات قديمة مع الإسلاميين، وأصحاب التوجهات القومية والوطنية الذين وقفوا بوجه سياسات مجيب الرحمن الذي كان يدفع بالبلاد نحو الهند ليبتعد عن الوحدة مع باكستان التي أجبرت على فصل أجزاء منها عنوة ليضمن الغرب والهند عدم وجود دولة مسلمة قوية في شبة القارة الهندية..
بعد 40 عاما، وفي مطلع يناير 2012 أعادت حكومة الشيخة حسينة واجد وحزب عوامي البلاد إلى العلمانية قسرا بإلغاء المواد الدستورية المعبرة عن إسلامية البلاد أو ارتباطها بالدول الإسلامية، حيث قضت المحكمة العليا في دكا مؤخرا بإعادة المبادئ العلمانية إلى دستور البلاد وإلغاء كافة المواد والكلمات المعبرة عن إسلامية الدولة، وألغت التعديلات الدستورية التي كانت قد أدخلت على دستور البلاد (الصادر في 1972)، بعد الانقلاب العسكري عام 1975 والذي ألغى كلمة علمانية من نص الدستور، وأكد على ارتباط البلاد بالإسلام والإيمان بالله…
الأمر الذي قابله عموم المجتمع برفض وفي مقدمتهم الإسلاميون الذين خرجوا في تظاهرات عمت الأقاليم البنغالية وقدموا استشكالات قانونية إلى القضاء الموالي بالأساس لصالح الرئيسة وحزب عوامي الحاكم.
حيث أكدت قيادات الحزب والحكومة استحالة الرجوع عن المبادئ العلمانية والنصوص التي على أساسها انفصلت باكستان الشرقية “بنجلاديش” عن الباكستان، والتي جاءت أساسا مضادة لكافة التوجهات الإسلامية لباكستان آنذاك، وأكد الدستور الانفصالي على العلمانية والاشتراكية والديمقراطية والشيوعية..
وخرجت وزيرة خارجية بنجلاديش “دييوموني نواز”مؤخرا لتؤكد عزم حكومتها علي علمنة الدولة، قائلة: إن بنجلاديش دولة علمانية وليست مسلمة معتدلة، فيما أكد وزير القانون “شفيق أحمد” على ضرورة العودة إلي دستور 1972م العلماني الشيوعي الذي ألغاه الرئيس الراحل “ضياء الرحمن” وأبدله بالدستور الذي أضاف “الإيمان بالله سبحانه وتعالى” كبند رئيس بالدستور والذي يعتبر الدين الإسلامي ديناً رسمياً للدولة.
ولم تجد حسينة وحكومة عوامي سوى العنف والتضييق على الإسلاميين سبيلا لإخضاع المجتمع البنغالي للعلمانية القسرية، فقامت السلطات باعتقال أمير الجماعة الإسلامية الشيخ “مطيع الرحمن نظامي” ونائبه الشيخ “دولار حسين سعيدي” والأمين العام للجماعة علي أحسن محمد مجاهد ومساعديه “قمر الزمان” و”عبد القادر ملا” بتهمة “الإرهاب” وألقت بهم في السجون حتى لا يكون هناك صوت معارض لما تفعله من هدم للدستور وتحويل البلاد إلي دولة علمانية لا علاقة لها بالدين بل تحاربه.
كما ألقت السلطات القبض علي البروفيسور الشيخ “غلام أعظم” -89 عاما- أمير الجماعة الإسلامية -سابقا- بل رفض القاضي الإفراج عنه بكفالة لدواعي شيخوخته ومرضه ووضع تحت ظروف لا إنسانية، وهو شخصية قيادية معروفة في العالم وهو من كبار علماء أهل السنة، الأمر الذي أشعل المزيد من التظاهرات القابلة للتحول إلى مواجهات دامية في البلاد.
وفي السياق ذاته، اعتقلت قوى الأمن في الفترة الأخيرة ما يزيد على 6500 من كوادر الجماعة الإسلامية في محاولة لتصفيتها وتجريد البلاد من كل مظاهر الدين والتخلص من الذين يحملون الفكرة الإسلامية، كما قامت بحملة اضطهاد وتضييق ضد العلماء والمؤسسات الخيرية والتعليمية الإسلامية، فقررت وقف التعليم الإسلامي وفرض مناهج غير إسلامية في المعاهد الدينية الأهلية.
وفي سياق الإجراءات الموتورة قررت الحكومة محاكمة شخصيات وقيادات إسلامية على خلفية أنهم كانوا ضد تقسيم باكستان عام 1971م ونادوا بوحدة المسلمين والحفاظ علي الهوية الإسلامية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *