الدعوة إلى إغلاق دور القرآن سَوءة لا تُغتفَر ذ يونس الناصري

يأسف الصالحون على واقع المجتمعات الإسلامية المخزي، وعلى انحطاطهم الفكري والثقافي والعلمي، بسبب استئساد طغمة علمانية على الناس في جل مرافق البلاد، وعلى رأسها الإعلام، ويغتم كل مؤمن نقي إذا رأى المهرجانات تتوالى وتتناسل، ضاربةً الحشمةَ والمروءة بعُرض الحائط، فيوجهون أكف التضرع إلى المولى جل في علاه أن يرفع عنهم الذل والهوان، وأن لا يحاسبهم بما يفعل السفهاء منهم، مع الدعاء لعموم المفتونين العصاة بالهداية والرشاد والعودة إلى الله، فكم من عاص بلغت ذنوبه عنان السماء تاب إلى الله فتاب عليه، وهو التواب الرحيم.
نرضخ للأمر الواقع، ولا نرضى به ولا عنه؛ لأن للملاهي المتنوعة أهلَها المخلصين، وعشاقها المتيمين، فما يعملُ الصالحون أمام ذلك؟ اللهم إلا الإنكار القلبي الذي ليس وراءه مثقالُ حبة خردل من إيمان، وكذلك فالقائمون على الملهيات لهم أجنداتٌ داخلية وخارجية تمهد لهم الطريق، وتيسرها لهم، بدعوى الانخراط في المشروع الكوني الحداثي، فلا مجال لفتح نقاش جاد حول الموسيقى والمسارح والأفلام والمسلسِلات وغير ذلك، ولا لبيان الحكم الشرعي فيها..
ولما تحدث خطيبٌ في مدينة فاس عن مساوئ مهرجان موازين عوقِبَ بالإيقاف، لا لشيء إلا لأنه قال: ربي اللهُ لا يرضى بما في موازين من عري ومجون وتبذير للأموال في الباطل، وسقطت إثر ذلك -كما سقطت من قبلُ- الشعارات الكاذبة التي ينادي بها الجميع، شعارات الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي في مقابل الرأي الآخر.
ذُبحت تلك الألفاظ المفرغة من معانيها على نصب “كن علمانيا تعبر كما شئت”! فقُنن التعبير عن خوالج النفس بما لا يخالف قواعد الديمقراطية العلمانية المستقوية على غيرها، حتى أصبحنا نخشى أن نحاسَب بما تخطه أيدينا من تعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا ومواقفنا النابعة من الغيرة على ثوابت الأمة الإسلامية.
ليست هذه المرةَ الأولى التي كممت فيها أفواه الدعاة إلى الله بحق، وكسرت فيها أقلام الكتاب الغارفين من بحر الكتاب والسنة، فنماذج التضييق على العلماء والأئمة والمصلحين وافرة يطول المقام بسردها، وقد استبشرنا خيرا بعد خطاب ملكنا محمد السادس حفظه الله ورعاه في التاسع من مارس 2011، الذي صرح بأن المغاربة سواءٌ من حيث الحقوقُ والواجبات، لا فضل لفصيل علماني على آخر إسلامي، مادام الكل تحت راية الديمقراطية المنشودة، التي من أهم أسسها التعايشُ السلمي بين المواطنين، ونبذ العنف والإرهاب الفكري، والإقصاء المعرفي.
فكما يدافع العلمانيون عن المهرجانات وغيرها ويجدون لذلك نسبةً تساندهم وتملأ ساحاتهم، كذلك يدافع أهلُ الدين والفضل عن مكارم الأخلاق ومحاسن الإسلام وثوابته، ويبطلون المهرجانات بالحجة والبرهان، وما على المتمسحين بالديمقراطية إلا أن يتحاوروا مع مخالفيهم إن كان لديهم ما يقولون، ثم يتركوا عموم الناس يختارون ما شاؤوا.
لو كانت الديمقراطية معلما أراد تقويمَ فعلِ مَن أوقف الخطيب الخمليشي وأنزله من منبره، لوضعت له صفرا كبيرا جليا، وإذا كان الأمر بخلاف ذلك، فليخرج العلمانيون ومن يناصرهم من وزارة الأوقاف إلى عموم المغاربة ليخبروهم بأن حرية الرأي خاصةٌ بعصيد وبوهندي ومن يسير مسارهما!! أما غيرهم من الخارجين عن سرب العلمانية، فليس لهم إلا الصمتُ أو السجن والقمع والتهميش. قولوها صريحة ليعرفكم المغاربة.
ومصيبة المصائب التي يشيب لها الولدان، هي أمرُ الشيخ المغراوي حفظه الله ونصره بإغلاق دور القرآن في مراكش العلم، بدعوى أنها تدرس القراءات العشر، وليس ورشا من طريق الأزرق وحدها!!!وما لنا هاهنا إلا أن نذكر القائمين على الشأن الديني بأنهم واقفون أمام ربهم، ليس بينهم وبينه ترجمان، فيسألهم عن الصغيرة والكبيرة، أذكرهم بقوله تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، وقوله: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله..} وقوله سبحانه: {يا أيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم..} والآيات كثيرة وكثيرة.
علمونا وفقكم الله، أبتدع الدكتور المغراوي تلك القراءات العشر أم أنزلت على رسولنا الكريم، فعلمها أصحابه، ثم تعلمها منهم التابعون، إلى أن وصلتنا بالتواتر؟
بالله عليكم اتقوا الله في شرعه، وخافوا يوم الحساب، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ما الدافع إلى هذا القرار وأنتم أعلم الناس بدور القرآن وبمناهجها الربانية السليمة؟
ألا تخافون وزرَ إغلاق أماكن يتلى ويتعلم فيها كتاب الله تعالى، وسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم؟
بالله عليكم فكروا وقدروا وراقبوا خالقكم القادر عليكم قبل مراقبة الناس، وقبل أن تسقطوا في قرارات لا يرضاها الله ولا رسوله ولا المؤمنون.
إن كانت هناك جهات تضغط عليكم، فوالله ما هي بنافعتكم وأنتم على الصراط، سيتبرؤون منكم -لا قدر الله- ويحملونكم مسؤولية القرار كاملة، فلا تستسلموا لأي جهة تريد توريطكم في جرم إغلاق دور الفضيلة والعلم؛إذ لديكم دستور واضح ينص على إسلامية المغرب، فضعوه في جبين كل فتان لا يحب السنة ولا القرآن أن يتلى ويتعلمه أبناء المغاربة.
أنتم أعلم بأعداد الأفواج الحافظة لكتاب الله من الذكور والإناث، التي تتخرج كل سنة من تلك الدور المباركة الطيبة، ولا أعلمَ منكم -بعد الله تعالى- بفضائلها التي لا تعد ولا تحصى، أترضون بأن يفتتح معبد يهودي بمدينة سلا وتنقل لقطات من افتتاحه على القناة الأولى -كما جاء في الأخبار- وتغلق دور كلام الله؟
أترضون بجرح مشاعر المسلمين الذين نهلوا من معين دور القرآن وتأدبوا بآدابها، فكانوا مواطنين صالحين، لا يصدر منهم شغبٌ ولا فوضى، ولا يسعون في فتنة ولا يرضونها، ولا تسمع عنهم سوء في أحيائهم ووظائفهم وأعمالهم؟
اقترب رمضان -بلغنا الله إياه وتقبله منا- وقلوب المؤمنين مشتاقة إلى التلذذ بسماع بلابل دور القرآن من الحفاظ المتقنين، فتصدم فجأة بقرار خطير غير مسؤول يهدم أحلامهم، ويحطم كيانهم، وكم من واحد قد وضع برنامجا صيفيا للحفظ في تلك الدور في شهر الغفران، فتبخرت آماله، وضعفت همته، فكنتم أنتم السبب في ذلك كله، فما أنتم قائلون لربكم يوم المعاد؟
ولربما دعا مسلم دعوة مظلوم مخلصا من قلبه على من حرمه ذلك الخير، ومنعه حقه في الحفظ والتعلم، فتصيب أصحاب القرار فاجعة لا يعلمها إلا الله، ويشهد الله أننا لا نريد دعوة على مسلم، بل كلنا دعاء لهم بالتوفيق والسداد، إلا أن الإحساس بالظلم -والأمر يتعلق بكتاب الله- يعمي العين ويؤجج مشاعر الغضب، والله المستعان.
وهذه صرخة مكلوم محب لدور القرآن إلى كل مسؤول يحب الله ورسوله والمؤمنين أن يسعى إلى إصلاح ذات البين، والحؤول دون تفعيل قرار الإغلاق، كل من منصبه، وأن يعلموا أن الله سميع بصير، شديد العقاب، وغفور رحيم، ومن تاب تاب الله عليه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *