الاصطياف فعل يدور مع الأحكام خمسة في التشريع الإسلامي، فقد يكون واجبا للمرضى ومن في حكمهم، وقد يكون مندوبا لمن يعاني من الإرهاق النفسي ويريد الترويح ومن في حكمه، وقد يكون الاصطياف مكروها إذا صاحبه تبذير أو إسراف أو شقاق عائلي، وقد يكون حراما إذا أدى لفعل حرام، وما عدا الأحوال الأربعة يكون جائزا، وهذا هو حكمه الأصلي.
كما أن الفقهاء قد أكدوا أن الإسلام لا يمنع الترويح عن النفس والاستمتاع بجمال الطبيعة، لكن ذلك يكون بمراعاة الضوابط الشرعية اللازمة، وتجنب المحاذير المنهي عنها، فإذا أدى ذلك إلى كشف ما أمر الله بستره من عورات النساء والرجال، والاختلاط بين الجنسين، أو أفعال توقع في الفواحش، والعلاقات المحرمة بين الرجال والنساء فيجب اجتنابه والابتعاد عنه.
فالأمر الغريب هو عندما يذهب الناس إلى المصايف، ويتخففون من منظومة القيم الاجتماعية والدينية التي كانوا يتمسكون بها في منازلهم وحيهم وعملهم، وهذا ما يسبب إشكالا لفئة عريضة من المجتمع التي لا ترضى عن هذا الوضع وتريد أن تحظى بقسط من الترفيه الذي لا يعدوا أن يكون من الكماليات في الشرع، مع المحافظة على الضروريات وعدم الوقوع في الحرام.
فمشكل العري واللباس الفاضح استفحل في الشواطئ المغربية، حيث يمكن أن نقول إنه تخطى جانب الحرية الفردية، وتعداها إلى المساس بحرية الآخرين، من الشريحة المحافظة على مبادئ دينها.
فمن حق الأسرة المحافظة، كما من حق جميع المغاربة الاستمتاع والترويح عن النفس بالاصطياف سواء في البحر، أو المنتزهات البرية، في ظروف خالية من المخالفات الشرعية، توافق ما يلتزمون به، وخالية من كل ما من شأنه أن يخدش الحياء، ويؤذي مشاعرهم من عري وتهتك في اللباس والأخلاق والأفعال التي تعج بها شواطئ المغرب.
كما من حق الأسرة المحافظة على الدولة أن توفر لها أماكن خاصة وشواطئ بشروط شرعية، بالموازاة مع ما هو موجود من شواطئ العري، حتى تفتح المجال للمواطن المغربي للاختيار، لأن الفرد يظل مسؤولا بقدرته وإرادته عن اختياراته الطوعية.
ويصبح هذا الحق ملحا، إذا علمنا أنه ليس في استطاعة الغالبية الساحقة من العائلات الوصول إلى المناطق البعيدة بحثا عن شواطئ تلبي حاجياتهم، الأمر الذي يتطلب مصاريف مرتفعة، ويوقع بشريحة واسعة من المغاربة في الحرج، وربما اختيار عدم الذهاب للشواطئ بصفة نهائية، وبالتالي تتحمل الدولة حرمان هؤلاء المواطنين من حقهم في الاستمتاع بعطلة الصيف.
وقد شهد المغرب في نهاية الألفية الثانية وبداية الثالثة تجربة لما سمي “بالشواطئ البديلة”، وكانت تأطرها جماعات إسلامية سنتي 1998 و1999 حتى تم منعها سنة 2000، بحجة أنها “ممارسة فئوية تثير بذور الانقسام في المجتمع المغربي”، كانت تقام فيها صلاة الجماعة ومقسمة إلى أماكن خاصة بالأسر، وبعضها خاص بالعزاب، وفضاءات خاصة لسباحة النساء، وقد شهدت إقبالا مهما من المواطنين المغاربة.
فما المانع إذا تحملت الدولة هذه المسؤولية وأنشأت الدولة أنواعا مختلفة من الشواطئ، وتركت الاختيار للمواطن يذهب إلى ما يوافق مبادئه واختياراته، لا أن تفتح الباب على مصراعيه أمام للعري بالشواطئ، وتحرم الأسرة المحافظة من متعة الاصطياف.