حاول بعض “علماء الشواذ” التدليل على أن هناك أسبابا بيولوجية للشذوذ الجنسي بحكم وجود موروث جيني(gène) شاذ يسمى بxq82 . ولكن هذه الأبحاث لم تؤكد شيئا بل أدحضت من طرف علماء آخرين إذ لم يجدوا هذا الموروث الجيني.
سنة 1965 قام باحثان Levine و Harrisبحقن فأرتين بعد ولادتهما بهرمونات (حاثي) ذكورية وحين وصلوا سن البلوغ أظهروا تصرفات جنسية ذكورية، وكما فعلوا عكس ذلك مع فأرين ذكور. إلا أن التجارب لم تظهر أي تطابق مع الجنس البشري حيث لم تظهر الأبحاث العلمية أي علاقة بين الاضطراب الهرموني والشذوذ الجنسي، ويعلل الباحثون أن التجارب التي تنجح على الحيوانات سببها الفرق البنيوي في الجينات بين الإنسان والحيوان، حيث أن في الحيوانات استعدادات طبيعية تسهل لها هذا الدور لأن فيها نوع ليس بذكر ولا بأنثى، وهناك نوع يتحول من ذكر إلى أنثى. والدليل على عدم جدوى الأبحاث حول الهرمونات الذكورية أن علاج اللواطية بالهرمونات لم يعطي أي نتيجة، وتبقى التركيبة النفسية هو محور هذا الاضطراب.
وإن من أهم الردود التي يمكن بها دحض وجود أسباب بيولوجية هو الجواب على السؤال الآتي: هل الدبر مؤهل من الناحية البيولوجية من تقبل الذكر والممارسة الجنسية؟ كل طبيب وعالم يحترم القوانين العلمية يجيب بالنفي. لأن الوظيفة الطبيعية للدبر ليس النكاح. ولكن لها وظائف أخرى يعرفها الجميع. والدليل الطبي على ذلك هو:
1- أول مرضى بـالسيدا ظهروا في أمريكا كانوا شواذ جنسيا.
2- إتيان الدبر يسبب:
– جرحات وتعفنات.
– فقدان المناعة.
– مرض البواسير.
– أمراض تعفنية تسبب أمراض الكبد.
– أمراض فيروسية تسبب أمراض الجلد.
– الخ..
من بين المحاولات اليائسة لبعض المتخصصين والشواذ، محاولة الربط بين السلوك الحيواني والسلوك الإنساني، حيث يذهب بعض الباحثين في عالم الحيوانات إلى القول بوجود سلوكيات شاذة جنسيا عند بعض الحيوانات، وهذا بمثابة واقعة طبيعية عن أن الشذوذ الجنسي هو سلوك طبيعي، بحكم أن الحيوانات تتصرف بطريقة طبيعية وبأن التطور الاجتماعي لا يؤثر على سلوكياتها. وهذا مردود لأن الحيوانات تمتاز بكونها لا تمارس الجنس إلا بهدف التوالد، فكيف يمكن أن نقول بأن هناك علاقة مثلية بينهم، وكل المتخصصين في عالم الحيوانات كما قلت يقولون بأن هدف الجنس عند الحيوان هو التوالد، و أنه لا يمارس الجنس خارج الفصل الجنسي لأن هرمونات الرغبة الجنسية تفرز في فصول معينة.
كما ينسى هؤلاء المتخصصون أن يخبرونا بأن السلوكيات العامة للحيوانات تتميز بخصائص أخرى، وهذه الصورة العامة هي كالتالي:
– هناك نوع من الحيوانات لا ذكور ولا إناث.
– هناك بعض الحيوانات تتحول من صفة ذكورية إلى صفة أنثوية منها (حلزون).
– هناك العديد من الحيوانات التي تجامع من ولدتها يعني أمها (مثل الحمير، والخيول والبقر..)
– هناك العديد من الحيوانات من تجامع أولادها.
– هل يجب علينا أن نستنتج مما سبق:
أن زنى المحارم سلوك طبيعي وبأنه يجب أن لا يجرم في عالم الإنسان؟
وأن يسمح للإنسان أن يجامع أمه وبنته وابنه ؟
دون أن ينظر إلى هذه الصور هل هي فعلا طبيعية، أم شاذة شاء الشواذ أم كرهوا؟
تقول الباحثة في علم النورولجية “كاترين فدال Catherine Vidal” أن الدراسات الأخيرة التي تحاول أن تظهر بأن هناك اختلافا في الدماغ البشري بين دماغ الشاذ جنسيا وغيره، هي دراسات لا ترتكز على مقومات علمية و تفتقر إلى أساسيات مهمة في البحث العلمي ومن هنا لا يمكن على الإطلاق تعميم هذا البحث الذي أولا لم يقم إلا بدارسة 25 حالة، و في مثل هذه البحوث يجب أن لا يقل العدد على 100 حالة. كما يجب أن تركز البحوث على دماغ الطفل وتطوره عبر مراحل التطور النفسي و الجسدي.
يمكن أن نستنتج أن محاولات القول بالشذوذ الجنسي على أساس أنه سلوك طبيعي يبوء بالفشل في كل مرة.(1)
على المستوى العلمي يمكن أن نطرح أسئلة خطيرة و في نفس الوقت علمية:
إذا كان السلوك الشاذ جنسيا طبيعيا بحكم المتغيرات النورولوجية هل عند السارق متغيرات نورولوجية؟
هل عند قابض الرشوة متغيرات نورولوجية؟
هل عند المجرم القاتل متغيرات بيولوجية ونورولوجية؟
هل عند المغتصب الجنسي متغيرات نورولوجية؟
هل عند المستبد متغيرات نورولوجية؟
هل عند مغتصب الأطفال متغيرات نورولوجية؟
هل عند الدكتاتوري متغيرات نورولوجية؟هل عند مغتصب بناته متغيرات نورولوجية؟
هل عند مغتصب أمه متغيرات نورولوجية
هل عند الوائد أطفاله (infanticide) متغيرات نورولوجية؟
ويمكن أن نطرح سؤالا أخطر من هذا: هل عند الإرهابي متغيرات نورولوجية؟
يمكن أن نجد عند هؤلاء متغيرات نورولوجية وذلك لسببين:
السبب الأول: من منطلق أساسي في البحث العلمي، هناك قاعدة تقول: “نجد دائما ما نبحث عنه” فإذا أردنا أن نجد هذه المتغيرات النورولوجية عند هؤلاء لوجدناها”.
والسبب الثاني: هل المتغير النورولوجي هو الذي يتواجد أولا أو أن المتغير النفسي هو الذي يسبقه؟
أعتقد شخصيا أن كل ما وضعه الله في خانة الإجرام فإن المتغير النفسي هو الذي يتواجد أولا ويمكن أن يؤثر في الدماغ وأن يوجد متغيرا بيولوجيا، وقد ذهب إلى هذا العديد من الباحثين، نأخذ منهم على سبيل المثال الباحث “سبستيان بوهلرSébastien Bohler ” بحيث يقول بأن اغتصاب الأطفال يسبب في قتلهم، بمعنى أن هؤلاء الأطفال المساكين المغتصبين يؤدي بهم الزمان إلى الانتحار وذلك لما تسببه المتغيرات البيولوجية بسبب هذا الاغتصاب.
من المعروف باعتراف جمعيات الشواذ جنسيا أن نسبة الانتحار عند هؤلاء أعلى بكثير منه في المجموعات الأخرى، يعود هذا بسبب أن المغتصبين يصبحون شواذا جنسيا، وهناك علاقة بين السبب والمسبب والنتيجة.
ويقول “بوهلر” إن دراسة من جامعة “مسجال” بموريال/كندا أظهرت أن الاغتصاب الجنسي يترك بصمة كيمائية على الدماغ، بمعنى تغير في جينات الفرد المغتصب التي يحتاجها الطفل لبناء المنظومة المناعية ضد التوتر، وعندما تختل هذه الجينات بسبب الاغتصاب تبقى مختلة مدى الحياة، وهكذا يصابون بهرمون التوتر ويصبحون غير قادرين على التغلب عليه بحكم ضعف المناعة الجسدية، وهذا يؤدي إلى الانتحار.
التوتر يفرز مادة “كورتزون” انطلاقا من الغدد سورينال، هذا الهرمون يمر في الدم بسهولة ليصل إلى ما يسمى مستقبلات “كلكوكرتكويد” récepteurs aux glucocorticoïdes، ويكون دورها هو تقنين إفراز مادة “كورتزون” في الدماغ ليعود إلى وضعيته الطبيعية.
الملاحظ أن الأطفال المغتصبين لا يتوفرون على هذه الصبغيات، والنتيجة كما ذكرت اختلالا في توازن “الكورتزون” وفي المنظومة المناعية، ويذهب الباحثون إلى أن هذه المتغيرات تؤثر في المدى المتوسط على “الانزيم” الذي يغير ويؤثر على الحامض النوويl’ADN فيصبح هؤلاء الأطفال غير متوفرين على منظومة قادرة على التدبير الطبيعي للتوتر، ويبقى “الكورتزون” غير طبيعي في الجسم مما ينقص من قدرة الصبغيات في توليد علاقات ما بينها، و هذا يولد الانخفاض في مادة “سيروطونين”، و هذه المادة تساعد الفرد على مقاومة الاكتئاب والسلوك الانتحاري.
والنتيجة المهمة بالنسبة إلينا في هذا الموضوع هي أن التغير في l’ADN الحامض النووي يغير كيميائية الدماغ، وهذا يؤدي إلى التغيير في التركيبة الدماغية، إلى المستوى الهرموني وعلى مستوى المتغيرات في الدم.
ولاحظ معي خطورة هذا التفسير، بمعنى لو أخدنا بالتفسير البيولوجي والتغيرات الطفيفة جدا على الدم وحتى على مستوى الدماغ لفتحنا علينا سموم العبثية.
فسنجد عند ذلك، متغيرات عند المجرم والمغتصب والإرهابي أيضا، فمن يستطيع الآن أن يقول بهذا؟ لكن فتح الباب قد يقود إلى هذه “العبثية العلمية”.
في نفس السياق هناك بعض الباحثين الذين يرون أن هناك “هرمونات” للإجرام، و كان من نتيجة هذا التفكير طلب في إعادة صياغة مفهوم التجريم والعقاب، وقامت العديد من الجمعيات بمطالبة إلغاء حكم الإعدام كيفما كانت الجريمة وملابستها، وهناك جمعيات تطالب بإلغاء تجريم زنى المحارم، وجمعيات تطالب بعدم تجريم ممارسة الجنس مع الأطفال.
فإذا ما اتبعنا هذا الطرح المادي الصرف، وأعطينا فرصة للعابثين بالقيم والأخلاق من العلمانيين ربما وجدنا من ينشئ الجمعيات نفسها بالمطالب ذاتها في الرباط ومراكش وآكادير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.cerveauetpsycho.fr/ewb_pages/e/espace (1)