ظهرت في بلدنا منذ الخمسينيات أحزاب يسارية انبثقت عنها جمعيات ومنظمات نسوية تتبنى الرؤية الغربية في قضية المرأة، وتمشي على خطى الحركة العربية التحررية المتطرفة التي انطلقت من مصر، ثم امتدت أطرافها إلى باقي البلاد الإسلامية.
وقد كونت تلك الجمعيات، مجموعة سمتها: (ربيع المساواة)، ما فتئت تدعو إلى تطبيق شرع (هيئة الأمم المتحدة)، وتجتهد لتجسيد كل توصيات مؤتمراتها الدولية في واقع مجتمعنا المغربي، وتطالب حكومته بالامتثال الكامل لذلك، ورفع كل التحفظات التي أبدتها على بعض تلك التوصيات –سيما في مجال قانون الأسرة- بما فيها التحفظات القائمة على احترام الشريعة الغراء، وعدم التقدم بين يديها!!
قالت مسؤولة إحدى الجمعيات المذكورة قبل المصادقة على تعديل مدونة الأسرة: “إن المجموعة النسائية تقدمت بمذكرة للحكومة تتضمن تعديلات على مدونة الأحوال الشخصية، تقوم بالأساس على نبذ علاقة “الطاعة مقابل الإنفاق” التي تشكل جوهر المدونة الحالية، وتهدف إلى قيام علاقة الندية بين الرجل والمرأة عبر مراحل ثلاث، تبدأ عند الإقدام على الزواج، وتستمر أثناء الحياة الزوجية، وتنتهي بانتهاء تلك الحياة، وهي مجموعة مقتضيات مترابطة.
وأضافت المسؤولة أن مرحلة الإقدام على الزواج تنص على توحيد السن الدنيا للزواج وهي 18 سنة كاملة بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء، وتمتع كل من المرأة والرجل بكامل الأهلية القانونية لإبرام عقد الزواج بنفسيهما، والنص على منع تعدد الزوجات.
وعند وقوع الطلاق – لا قدر الله – فإن الجمعيات تقترح أن يحكم القاضي بالطلاق بعد تراضي الزوجين عليه، أو بناء على طلب أحد الزوجين بسبب ضرر متبادل، ثم التصرف المشترك في الممتلكات بأن يتم اقتسام الممتلكات التي امتلكها الزوجان أثناء الحياة الزوجية في حالة الطلاق أو الوفاة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في تلك الممتلكات، وتوحيد شروط الحضانة وذلك بضمان حرية زواج الحاضن من الأبوين رجل أو امرأة، وبقاء الحاضن من الأبوين في بيت الزوجية، وتوحيد سن المحضون -ولد أو بنت- في 15 سنة”..
وقالت أخرى: “ويمكن تلخيص سقف مطالبنا (أي فيما يتعلق بمدونة الأسرة) في: توحيد سن الزواج في 18 سنة، إلغاء الولاية على المرأة، وضع حل العلاقة الزوجية بيد القضاء، اقتسام الممتلكات المكونة أثناء الحياة الزوجية عند الطلاق أو الوفاة، إبقاء الحضانة للأم المطلقة وإن تزوجت”!(الصحيفة العدد 127).
و مما أسفرت عنه أنشطة هذه الجمعيات: صدور مشروع سمي ب(الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية)، أعدته كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة، والذي أعلن عنه في 19 من شهر مارس 1999، وقد طالب واضعوه بما طالبت به الجمعيات المذكورة آنفا مما يتنافى مع الأحكام الشرعية المطهرة، ولذلك لقي هذا المشروع انتقادا شديدا من الشعب المغربي المسلم ويتصدره العلماء -على رأسهم أعضاء رابطة علماء المغرب- الذين قرروا أن هذه الخطة جزء من مخطط دولي يهدف إلى فرض النموذج الغربي العلماني في العلاقات الاجتماعية والأسرية، وأنه يعرض الأسرة المغربية لنوع آخر من أنواع التفكيك والتشتيت، وأكدوا بأن قطار التنمية ينبغي أن يسير على سكة الأصالة والتمسك بشريعة الإسلام وعدم تحريم الحلال أو تحليل الحرام.
والفصل السادس من الدستور ينص على أن الإسلام دين المملكة المغربية.
والفصل السادس بعد المائة منه ينص على أن الإسلام لا يقبل المراجعة.
أما الخطة فقد جاء في مقدمتها أن أصحابها اعتمدوا في وضعها على المرجعية الدولية! ممثلة في ما صدر عن مؤتمرات نيروبي والقاهرة وبكين وغيرها، بل صرحوا في التقرير الذي رفعوه إلى الأمم المتحدة بعناية التحضير للدورة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة في يونيو 2000م بأن مرجعيته الخاصة هي توصيات مؤتمر بكين وغيره من المؤتمرات!
ونقول لأصحاب هذا التوجه – في إطار النقد البناء والنصح الهادف-: إن إصلاح وضعية المرأة ينبغي أن نعتبره نحن معشر المسلمين واجبا شرعيا نتقرب به إلى الله، وليس فقط مجرد نشاط يخدم الإنسانية أو عمل نسعى من خلاله إلى عولمة الفكر الغربي ونشر مبادئ الغربيين وقيمهم، وكيف لا نكون كذلك ونحن نعلم أن ديننا رفع المرأة إلى منزلة سامقة، وأمر بإكرامها والعناية بها وتمتيعها بحقوقها وصيانتها من الظلم، وجعل ذلك تكليفا أنيط به الثواب والعقاب.
فهذا هو الباعث عندنا في قضية المرأة وإصلاح وضعيتها في مجتمعنا: “امتثال أمر الله والعمل بأحكام وتوجيهات الإسلام” الدين الذي ارتضاه الله لعباده. وقناعتنا أن الخير كله في العمل بهذه الأحكام والتوجيهات والتمسك بها.
أما القوم فغفلوا عن هذا المنطلق السليم حيث كان الباعث عندهم قناعتهم بتفوق التجربة الغربية في هذا الباب وأنها شرط في التقدم والتنمية والحداثة! وأنه لا خلاص لنسائنا إلا في محاكاتها حذو القُذّة بالقذة!
وكما أننا نخالف أصحاب هذا التوجه في الباعث والمنطلق؛ فكذلك نخالفهم في تشخيص الداء وتعيين الدواء في هذه القضية.
ففي التشخيص -مثلا- لا يعرجون على (ضعف التدين) الذي نعتبره نحن من أهم صور الوضعية السيئة للمرأة؛ فالجهل بدين الله وفساد التصور والأخلاق ونحو هذا مما هو راجع إلى التدين لا يعتبرونه ولا يقيمون له وزنا، بل يرون أن الدعوة إلى إنقاذ المرأة منه تحكم وتدخل في شؤون الإنسان الخاصة به، بناء على مفهومهم الخاطئ للحرية.
وقد أدى تجاهلهم لهذا الجانب إلى شرور كثيرة من أبرزها المس بعرض نسائنا بما لا يرضاه صاحب مروءة، حيث ولغت فيه كلاب الإباحية المسعورة، وصارت أجساد المغربيات معروضة في الشبكة العنكبوتية أخس عرض وأقبحه، وأضحت فتياتنا في الإعداديات والثانويات مستهدفات من طرف قراصنة الجنس، وأرباب الفساد، الذين يعرضونهن لطالبي المتعة الرخيصة في الفنادق وغيرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فبم نفسر سكوت هذه الجمعيات عن هذا الواقع الأفين؟ وكيف نجمع بين هذا السكوت والتغاضي وبين ما يدّعونه من الغيرة على حقوق المرأة المغربية؟!
أم أن انتقاد هذه الويلات يعد عندهم نزعة أصولية إرهابية، تحجر على الحريات وتحارب الفن وتعرقل قافلة السياحة؟!!!
ومن انحرافهم في التشخيص أيضا اعتبارهم بعض الأحكام الشرعية من صور الوضعية السيئة للمرأة: كالولاية عليها في النكاح وإعطاء الرجل حق التطليق والتعدد…!
ولنا مع هذا الانحراف وقفات في الأعداد القادمة إن شاء الله.
وهكذا في وصف الدواء، فإنهم يتبنون –بناء على قناعتهم السابقة-مرجعية غريبة عنا تصطدم مع عقيدتنا وشريعتنا؛ وهي المناهج والقناعات الغربية التي يسعى الغرب في فرضها على الناس.
ومع اختيارهم لهذه المرجعية فإنهم يصرحون برفض المرجعية الشرعية!
نشرت يومية (لوماتان) المغربية في عدد الثلاثاء 10 يونيو 2003 مقابلة أجرتها صحفية مع رئيسة إحدى جمعيات (ربيع المساواة) دعت فيها إلى إبعاد الدين عن مدونة الأحوال الشخصية وقالت: “التدخل الديني في الشؤون العامة ينبغي أن ينتهي”!!(التجديد: العدد 658 ص2 ).
فيدعون إلى وضع حد لتدخل (الدين)، ويرحبون بتدخل (هيئة الأمم المتحدة)!!!
وهكذا نرى كيف بلغت الوقاحة بأقطاب التوجه النسوي المتطرف إلى حد التصريح برفض المرجعية الإسلامية السامية مع أنها المرجعية الكفيلة بحل مشاكلنا دون انغماسنا في أوحال التبعية الماسخة، ووقوعنا فريسة بين أنياب العولمة الأمريكية المذلة؛ فشريعة الإسلام أنزلها رب العالمين وهو سبحانه أعلم بما يصلح أحوال عباده المختلفة ومنها حال المرأة، قال سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} سورة الملك وقال:{وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } سورة البقرة.
وقد حرم الله تعالى التحاكم إلى غير شرعه وقال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} سورة الجاثية، وقال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} سورة المائدة.
وهذا الاختيار كما أن فيه محادة لله تعالى وتنكر لشرعه الحنيف، فإن فيه تجاهلا لحقيقة إصلاحية هامة بينها محمد فريد وجدي في قوله:”نحن أمة أحكمت روابطنا أصول دينية، ورسخ في أذهاننا أننا لم نهبط عن عرش عزنا إلا لترك تلك الأصول الموصلة لسعادة الحياتين، وتلك أمة ربطت آحادها روابط الجنسية أو الوطنية، ورسخ في أذهانها أنها لم ترتق إلا بترك التعاليم الدينية.
هذه النظرة البسيطة على أصولنا الاجتماعية العمومية تكفي لأن تقنعنا بأننا لن نستطيع أن نحذو حذو أوربا في شؤونها إلا إذا حلت عندنا محل الرابطة الدينية رابطة وطنية أو جنسية، ومحي من أذهاننا أن رقينا لأوج السعادة لا يتأتى إلا بترك الديانة الإسلامية، وهل يمكن حدوث هذا التحول الذريع ما دام العلم التجريبي يرينا كل يوم أن ديننا هو إكسير شفائنا ومرهم سائر جراحنا، وهو الذي أدركه مثلنا كثير من مشاهير علماء الغرب.
والخلاصة ما دامت رابطتنا الإسلامية الرئيسية هي من غير جنس روابط سائر شعوب العالم فلا يتأتى لنا مطلقا أن نحذو حذو أي شعب من الشعوب في ما يصادم طبيعة تركيبتنا الإسلامية ولا يوافق تعاليم مدنيتنا العزيزة في نفوسنا. ومع كل هذا فإن الطريق الذي يسير فيه الغرب بالنسبة للنساء مملوء بالمخاطر، مشوب بالعواتير المخيفة بشهادة أكبر عمرانييهم، فكيف يسوغ لنا اليوم أن نتمسح في أمراضهم لننتحلها لأنفسنا ثم نكلف بتحمل أعراضها وآلامها؟”.
فصلاح حال المرأة عموما ونسائنا المغربيات خصوصا في الشريعة الإلهية لا في التبعية الغربية، وتحسين وضعيتها إنما هو بالرجوع إلى شريعة الإسلام لا باستيراد قوانين الغربيين.
وليحذر الذين يظنون أن صلاح حال نسائنا في تقليدهم -ويجتهدون في هذا الإصلاح المزعوم- من الدخول في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} (البقرة11-12).