الأستاذ أنور مالك(*) في حوار خاص مع السبيل يكشف:

’’التغلغل الشيعي في الدول العربية عموما ودول المغرب الكبير بصفة أخص
هو في تزايد رهيب للغاية، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم أمام هذا الخطر الداهم‘‘
أنور مالك لـ«السبيل»: دولة «إسرائيل» الكبرى لن تتحقق إلا بتدمير العراق وسوريا ولبنان، وهذا ما تكفلت به إيران
حاوره: مصطفى الونسافي
1- كيف تنظرون إلى التقارب الأخير بين الإدارة الأمريكية وعمائم إيران، وما هي الانعكاسات المتوقعة من ذلك على عالمنا العربي والإسلامي؟
التقارب الأمريكي الإيراني هو تعبير فيه الكثير من المغالطات التي لا تخدم سوى الصفويين في أطروحتهم القائمة على نظريات الممانعة والمقاومة المزعومة. هناك تعاون عميق ومتجذر بين واشنطن وطهران من عهود طويلة، وقد تعمق أكثر منذ انتصار الثورة الخمينية، وتجلى ذلك بوضوح على سبيل المثال في الدور الإيراني أثناء غزو أمريكا لأفغانستان، وقد اعترف أبطحي أنه لولا طهران ما احتلت الولايات المتحدة أفغانستان؛ وأصبح أكثر وضوحا مع العراق، حيث أن بغداد التي كانت شوكة في حلق الصفويين تحولت إلى مجرد ولاية تابعة للملالي يسرحون ويمرحون فيها كما يريدون؛ وهذا جاء عن طريق أمريكا التي غزت العراق وسلمته على طبق من ذهب إلى خامنئي. وقد كانت الدراسات والمتابعات الصحفية، قبل سقوط نظام صدام حسين، تؤكد أن الذين سيحكمون العراق بعده هم أتباع إيران، وهذا الذي تحقق.
أمر آخر أن أمريكا لم تتدخل في دمشق رغم جرائم نظام بشار، لأنها تدرك بأن تدخلها أو ضغطها عليه سيُعَجِّل من تحول الحكم إلى أهل السُّنة في سوريا وهذا الذي لا تريده. في اليمن نجد الطائرات من دون طيار تقصف المناطق التي يوجد فيها المناهضون للحوثيين، في حين لا تستهدف هؤلاء أبدا رغم أنهم من المتمردين على سلطة الدولة؛ كما لم تتدخل في لبنان ضد «حزب الله» رغم أنه مجرد ميليشيات خارج الإطار الرسمي للدولة اللبنانية، وبها تحول هذا الحزب إلى دولة عاصمتها لبنان.
من جهة أخرى لم نشهد يوما أن أمريكا استهدفت إيران عسكريا، فهي تعلن الحصار الاقتصادي عليها في حين لم يُنفَّذ على أرض الواقع، ولا عاقبت من يخترقه ومن بينهم سلطة الملالي في العراق الذين صنعهم المارينز؛ وفي المقابل نجدها لما أعلنت الحصار على العراق في عهد صدام حسين لم تترك حبّة قمح واحدة تدخل إليه، كما سبق وأن دمرت مفاعله النووي لمجرد الشبهة، في حين تفاوض طهران منذ سنوات وهي تعلم أن تخصيبها لليورانيوم في تطور، وصارت تقترب من القنبلة النووية.
ما حدث هو مجرد إعلان عن جانب فقط من التقارب بين الطرفين للتمويه من طرف الإدارة الأمريكية، وتقية من طرف ملالي طهران؛ وجاء ذلك في ظرف حساس مع الثورة السورية التي فضحت النفوذ الصفوي، وفضحت زيف ممانعتهم ومقاومتهم التي لم تكن سوى غطاء للاحتلال الصهيوني.
«إسرائيل» لن تحقق دولتها الكبرى الممتدة من الفرات إلى النيل إلا بتدمير العراق وسوريا ولبنان، وهذا ما تكفلت به إيران؛ وأيضا بتفتيت كل من مصر والأردن، وهذا الذي تعمل عليه المخابرات الأمريكية وغيرها في إطار تبادل للأدوار، لذلك دائما أقول إن إيران لو لم تكن موجودة لأوجدتها أمريكا لأجل الحفاظ على أمن «إسرائيل» ولتكسر شوكة الدول العربية والإسلامية.
’’المشروع الإيراني يواجه أصعب مراحله، فتحرير سوريا من قبضته ستلحقه
أحداث أخرى تضربه في العمق، كتحرير العراق وكسر شوكة إيران في اليمن ودول أخرى،
لذلك نرى طهران قد أخذت ما يجري في سوريا مسألة حياة أو موت‘‘
2- لكم كتابات وأبحاث حول التغلغل الشيعي في المجتمعات السنية ولاسيما في منطقة شمال إفريقيا، فماذا يمكن أن تقولوا لنا عن هذا الجانب؟
التغلغل الشيعي في الدول العربية عموما ودول المغرب الكبير بصفة أخص هو في تزايد رهيب للغاية، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم أمام هذا الخطر الداهم.
عندما ألفت كتابي «أسرار الشيعة والإرهاب في الجزائر» عام 2010، كان الشيعة لا يظهرون أنفسهم، ويمارسون تقيتهم بحرص أمني وعقدي كبير، بل إنني لما نشرت في 2007 عدة مقالات عن المد الشيعي في الجزائر، وذكرت أسماء رؤوس الشيعة في بعض المناطق، صار هؤلاء الذين ذكرتهم يذهبون للمساجد ويحاولون مغالطة الرأي العام؛ ولكن الآن صار الشيعة في الجزائر يتحدثون في الفضائيات، ويحُجّون إلى قم، ويمارسون طقوسهم ويوزعونها على مواقع الأنترنت، وهذا بحد ذاته دليل على أنهم ما صاروا يخشون شيئا، وحتى السلطات الأمنية لم تَعُد تتابع نشاطاتهم مثلما كان من قبل؛ والأمر نفسه بالنسبة للمغرب الذي سيعيد علاقاته الدبلوماسية مع طهران، أما واقع التشيع فيه فقد بلغ درجة خطيرة أيضا في ظل صمت رسمي غير مبرر، والأمر نفسه بالنسبة لتونس وليبيا وبعض الشيء في موريتانيا، أما مصر فهي تواجه حملة شرسة من المدّ الشيعي في ظل الصراعات السياسية القائمة.
الحديث طويل في هذا الجانب، وأعتقد أن إيران حققت ما تريد، وسوف يصير لها طوائف إن سكتت أنظمة الدول المغاربية عن نشاطات الملحقين الثقافيين في سفارات طهران، وأغلبهم من ضباط المخابرات ممن تخرجوا من معاهد متخصصة في نشر التشيّع وتصدير الثورة.
لسنا نبالغ في الأمر، ولكن في تقديري الشخصي أن وجود العشرات فقط من المتشيعين يمارسون دعوتهم في بلاد سنية هو خطير، ويزداد خطرهم أكثر حين يكون عددهم في تزايد، وهو ما لمسته من خلال متابعاتي لشأن المدّ الشيعي في الدول المغاربية، وقد قرعت أجراس الخطر عبر مؤلفاتي وكتاباتي وحتى في برنامجي «ساعة مغاربية» الذي بثته قناة «وصال» الفضائية في شهر رمضان المنصرم.
3- باعتباركم متابعين لأطوار الثورة السورية ضد النظام السوري العميل لإيران والكيان الصهيوني، ما هي السيناريوهات المرتقبة بعد نجاح السوريين في التخلص من نظام الشبيحة؟
أعتقد أن الثورة السورية صارت مفتوحة على احتمالات كثيرة، فوجود أطراف عديدة في مشهد الصراع عقدت الكثير من الأمور، وزادت أكثر لما تحولت الثورة من مواجهة مع نظام مستبد وطاغية دموي إلى حرب ضد غزاة صفويين يريدون الهيمنة على المنطقة بكل الوسائل القذرة.
على الأرض نجد كتائب متعددة من جهة المعارضة، أما من جهة السلطة فنجد شبيحة وطائفيين من مختلف التوجهات والمشارب. الدول الكبرى تريد أن تفرض أجندتها وفق رزنامة اختارتها وفق ما يحفظ مصالحها، ولا تهمها الدماء التي تسيل؛ أما المعارضة السياسية فلها ألف مذهب وتوجه.
رغم كل ذلك يجب أن نجزم بأن نظام بشار انتهى من حكم سوريا، فهو إما أن يسقط وينتهي، وهذا ما يريده الشعب السوري، أو يقسم البلد ويخلق دولته العلوية، وهذا الذي لا نتمناه أبدا لبلد عظيم له مكانته التاريخية والجغرافية؛ أما بالنسبة للمشروع الصفوي الإيراني فهو بدوره يواجه أصعب مراحله، فتحرير سوريا من قبضته ستلحقه أحداث أخرى تضربه في العمق، كتحرير العراق وكسر شوكة إيران في اليمن ودول أخرى؛ لذلك نرى طهران قد أخذت ما يجري في سوريا مسألة حياة أو موت.
’’إيران حققت ما تريد، وسوف يصير لها طوائف إن سكتت أنظمة الدول المغاربية
عن نشاطات الملحقين الثقافيين في سفارات طهران، وأغلبهم من ضباط المخابرات
ممن تخرجوا من معاهد متخصصة في نشر التشيّع وتصدير الثورة‘‘
4- كيف ترون التعاطي العربي الرسمي مع المؤامرات والمطامع الإيرانية المتزايدة، والتي تهدف إلى الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط؟
للأسف الشديد توجد بعض الحكومات تهتم بمخاطر هذا المشروع على مستويات محدودة، وحكومات أخرى لا تهتم به أصلا، ونجد أخرى تتعاون مع إيران من منطلقات المصالح، أو أنها وقعت في شباكها تحت مسميات مختلفة مثل المقاومة والممانعة وحوار المذاهب، وما إلى ذلك من شعارات طنانة ورنانة.
لكن من خلال متابعتي للتعاطي الرسمي مع المشروع الصفوي فإنني ألمس غياب رؤية استراتيجية بعيدة النظر، وكل ما يجري هو مجرد ردود أفعال ظرفية أملتها أسباب معينة ومحددة، وهذا بحد ذاته يخدم الصفوية كثيرا جدا، لأنها تحمل مشروعا استراتيجيا طويل المدى يستثمر في كل كبيرة وصغيرة.
مواجهة المشروع الصفوي لا يجب أن تقتصر على علماء الدين كما أراه الآن، لأن البقاء عليه في هذا الإطار يخدم إيران كثيرا، لأنها تعمل على تحويل الصراع القائم إلى مجرد جدل بين رجال الدين من الطرفين، حتى يبدو الأمر للناس على أنه لا يتجاوز الخلاف المذهبي بين مذاهب إسلامية معتمدة.
لو تتبعنا إيران سنجدها تستعمل الليبراليين والعلمانيين والقوميين والحزبيين والحركات السياسية المختلفة، والحقوقيين والصوفيين والعسكريين لأجل تأصيل مشروعها، في حين مواجهة ذلك في العالم الإسلامي لا نراها إلا من قبل المتدينين عموما ومن يعرفون بـ«السلفيين» بصفة أخص؛ وهذا خطأ كبير، فالصفوية هي حركة هدامة أخطر من الصهيونية، لأنها تستهدف الوجود العربي والإسلامي، ومسؤولية التصدي لها تقع على عاتق الجميع من مختلف التوجهات والمذاهب والحركات السياسية والقومية والدينية.
الصفوية تريد تدمير الدول العربية والإسلامية والهيمنة عليها في مشروع إمبراطوريتها الفارسية المجوسية البائدة، وهذا الذي وجب أن ينتبه له الجميع. المشكلة أن الكثيرين لا يعرفون شيئا عن الصفوية وتاريخها لذلك يقعون في مغالطات كثيرة تخدم ملالي طهران إلى أبعد الحدود.
في الأخير أشكر أسرة «السبيل» على هذه الفرصة الطيبة كي نتواصل مع إخواننا في المغرب الشقيق، وأتمنى لكم النجاح والتوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*)- الكاتب والباحث الجزائري، والمراقب المستقيل من بعثة الجامعة العربية إلى سورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *