بين (الإمبريالية) الأمريكية والغطرسة (العلماصوفية) من ينصف السلفيين؟ حمّاد القباج

لم يمض على صدور تقرير مركز “راند” عام كامل حتى ظهرت معالم العمل على تجسيد توصياته.
جاء في التقرير المذكور: “من الأمور ذات العلاقة المباشرة بهذا التقرير حقيقة أن السلفيين والوهابيين هم أعداء لا يكِلّون من العداء للتقليديين والصوفية. وفي أي ظرف تنجح الحركة الإسلامية المتطرفة في الحصول على السلطة، فإنها تحاول قمع أفعال الإسلام الصوفي والتقليدي، كما هو معروف من تدمير المعالم التاريخية الإسلامية في العربية السعودية. ومن أجل أنهم ضحايا للسلفية والوهابية، فإن التقليديين والصوفية هم حلفاء طبيعيون للغرب إلى الحد الذي يمكن من إيجاد أرضية تفاهم مشتركة معهم”.
ولأن الساسة في أمريكا يعتمدون خلاصات تقارير مثل هذا المركز؛ فلا يستبعد أن يكونوا وراء إغلاق دور القرآن الكريم التي تتهم بالوهابية، مما دفع بعض المراقبين إلى ربط الزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية “رايس” بقرار الإغلاق الجائر.
ومن هنا نعرف سبب احتفاء وزارة الخارجية الأمريكية بوزير الأوقاف أحمد التوفيق وتنويهها بمجهوداته (مجلة الصباح العدد الخامس ص:18).
وبهذا نقف أمام تجلٍ جديد من تجليات الدكتاتورية الأمريكية التي ضحكت من العلمانيين حين أوحت إليهم بدين الحرية والديمقراطية والتعددية، وأمرتهم أن يبشروا بهذا الدين الذي شرعته لهم لفصلهم عن دينهم (القديم)، أما هي فقد ارتفع عنها قلم التكليف ووصلت إلى درجة اليقين، ولذلك لا يلزمها العمل بشريعة هذا الدين الجديد.
أجل، حين يتعلق الأمر بالإرادة الأمريكية تداس الديمقراطية، وتنكس راية حرية الرأي والتعبير، ويعلن الحداد على تعدد الآراء؛ فيهاجم من لا يُقبل رأيه، وتصادر دعوته، ويقصى رغما عن أنف القانون والديمقراطية، ويشارك في هذا الجور ويدفع إليه من أسسوا ما سموه: (الحركة لكل الديمقراطيين).
وقد كان من مكرهم المضحك المبكي أن يسوغوا إغلاق أكثر من 70 دارا للقرآن الكريم في المغرب بسبب ما سمي فتوى زواج الصغيرة.
فبأي عقل وبأي منطق وبأي قانون تتعرض هذه الدور والجمعيات القائمة عليها لهذا العدوان التعسفي، وهي التي أسدت خدمات جليلة للبلاد والعباد على رأسها احتضان الشباب في رحاب توجيهات القرآن الكريم والسنة المشرفة التي تحيط سلوكهم بحمى الوسطية والاعتدال، وتنأى بهم عن مرتع الغلو والإرهاب؟
جاء تقرير “راند” بنظرية باطلة مفادها أن السلفية مذهب ينتج الإرهاب، لم يستند فيها على أدلة أو حقائق، وإنما هي تحليلات معينة لأحداث معينة؛ تحليلات ربطت بين السلفية وما يسمى بالوهابية إشارة إلى أن السلفية مذهب محدث صدرته الدولة السعودية وتمظهر في إسلام نصي متشدد انتشر في العالم، وكان مصدرا من مصادر الإرهاب.
وبدل التأمل الجاد في ذلك الطرح ووضعه في ميزان البحث العلمي، تم التعامل معه وكأنه نص مقدس قطعي الدلالة!!
وبناء عليه وضعت الخطة الأثيمة لاستئصال السلفية التي يسميها أعداؤها وهابية، وتم تعريض دعاتها لكل أنواع التشويه القائم على الكذب والبهتان الذي يصل في بعض الأحيان إلى النكتة المضحكة، كقولهم في أحد علماء الجزائر بأنه يحرم أكل الشباكية.
واجتمعت الأقلام المأجورة لتصوير السلفيين بصورة الرجعيين الظلاميين والمعادين للتقدم والمدنية.
وانخرطت في هذه الحملة المسعورة مجلات وصحف وقنوات لا ترى الصلاح والتنمية إلا في العلمانية التي تحاصر الدين في القلوب والضمائر والروحانيات، ولا تجعل له سلطانا على الأفراد والمجتمعات.
فتنتقي من المذاهب الإسلامية ما يوافق رؤيتها وتقصي كل ما خالف ذلك في دكتاتورية إرهابية تضاهي دكتاتورية أتاتورك وأشباهه، بل بلغ الحقد والكراهية بمن أعدوا ملفا عن السلفية في أسبوعية (لوجورنال) (عدد 20 شتنبر)، إلى درجة أن جعلوا العنوان الرئيس للملف؛ التساؤل التالي: (هل يجب إحراق السلفيين)؟
وهذا الطرح يمثل القمة في هرم الفكر الاستئصالي الديكتاتوري الذي تضخم في عقول البعض إلى درجة فقدان القدرة على كتمه والاحتفاظ به في أحشاء النفس الأمارة بالسوء.
وفي خضم هذه الحقائق الصريحة ووضعا لمزاعم القوم في التشبث بالديمقراطية والحرية في ميزان الاختبار، أدعو إلى فسح المجال للسلفيين في الإعلام الوطني والدولي لإبداء آرائهم والتعريف بأنفسهم ومناقشة فكرهم، ونترك المشاهد المغربي يحكم بنفسه:
هل دعوتهم أصيلة أم دخيلة؟
وهل تبني أو تهدم؟
وهل يشوشون على ثوابت البلاد أم لا؟
وهل هي دعوة إصلاح أم إفساد؟.. إلـخ.
هذا هو المسلك الذي يمكن أن يوحي بصدق ما يدعيه القوم من احترام الحرية والموضوعية والإنصاف، أما إقصاء هؤلاء الناس وافتراء الأراجيف في حقهم والتسلط القمعي على أنشطتهم القانونية فهذا تكريس للظلم والعدوان الذي يولد لا محالة الإرهاب والفساد في الأرض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *