إن العلوم الطبية قديمها وحديثها ليس فيها ما ينفي -من الناحية العلمية المحضة- إمكانية وقوع التلبس أو المس أو الصرع، بل على العكس من ذلك تماماً فقد أكَّد علماء الغرب والمتخصصون في مجالات الطب المتنوعة إمكانية حصول ذلك، وليس مع الفئة التي أنكرت هذه المسائل إلا النفي المجرد، وأما المثبتون: فلعموم الأدلة الشرعية، ولوقائع التجربة، والحس، والمشاهدة. (انظر منهج الشرع في بيان المس والصرع، المبحث التاسع: موقف الأطباء في العصر الحديث).
وقد اختلفت كلمة الأطباء المعاصرين في حقيقة الصرع وأسبابه، لكن كلمتهم جميعا –منكرين ومثبتين- متفقة على أن ما خفي عليهم من حقيقة الصرع وأسبابه أضعاف ما عرفوه.
قال الأستاذ زهدي المصري (أخصائي تربية خاصة): “الأسباب المعروفة للصرع لا تتجاوز نسبة 20% من الأسباب، والنسبة الباقية من الأسباب غير معروفة لحد الآن”.
قال الشيخ علي حسن الحلبي: “وهذا -تماما- يتوافق مع الكلام القيِّم الذي ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى قبل أكثر من سبعة قرون في كتابه القيِّم زاد المعاد (4/66-70) حيث قال: “الصرع صرعان: صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية، وصرع من الأخلاط الرديئة، والثاني: هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه.
وأما صرع الأرواح، فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه، ويعترفون بأن علاجه بمقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدافع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها، وقد نصَّ على ذلك “بقراط” في بعض كتبه، فذكر بعض علاج الصرع، وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة، وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا العلاج.
وأما جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صرع الأرواح، ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع، وليس معهم إلا الجهل، وإلا فليس في الصناعة الطبية ما يدفع ذلك، والحس والوجود شاهد به، وإحالتهم ذلك على غلبة بعض الأخلاط هو صادق في بعض أقسامه لا في كلها.
وقدماء الأطباء كانوا يسمون هذا الصرع: المرض الإلهيَّ، وقالوا: إنه من الأرواح، وأما “جالينوس” وغيره فتأولوا عليهم هذه التسمية وقالوا: إنما سمّوه بالمرض الإلهيَّ لكون هذه العلة تحدث في الرأس، فتضرُّ بالجزء الإلهي الطاهر الذي مسكنه الدماغ!
وهذا التأويل نشأ من جهلهم بهذه الأرواح وأحكامها وتأثيرها، وجاء زنادقة الأطباء فلم يثبتوا إلا صرع الأخلاط وحده.
ومن له عقل ومعرفة بهذه الأرواح وتأثيرها يضحك من جهل هؤلاء وضعف عقولهم” اهـ.
قال الشيخ علي الحلبي: “وهذا كلام علمي محرَّر، مبني على العلم بالشرع، والمعرفة بالطب والوقوف على الحس والمشاهدة.
وليس هو ككلام من يهرف بما لا يعرف، فيخبط خبط عشواء فينسخ –بل يمسخ- في الصباح ما قرره في المساء، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا!!” اهـ. (برهان الشرع في إثبات المس والصرع).
يقول الدكتور “جيمس هايسلوب” في كتابه عن (المس): “إنه تأثير خارق في العادة تؤثر به شخصيَّة راعية خارجية في عقل شخص وجسمه، ولا يمكن إنكار كنه المس”.
ويرى بعض الأطباء كالدكتور “كارل ويكلاند” إن الجنون قد ينشأ من استحواذ روح خبيث على الشخص المريض فيحدث اضطرابا واختلالا في اهتزازاته، وأنه بالكهرباء الاستاتيكيَّة تنظم الاهتزازات، وتطرد الشخصية المستحوذة، ويعود العقل إلى حالته الطبيعية دون تأثير شخصية ماسة أخرى.
ويعرف المس أيضا، بأن الأرواح الخبيثة الشريرة المؤذية غير المتجسدة قد تحدث في ظروف خاصة اضطرابات جسمية أو عقلية خطيرة لبعض الناس.