الاعتصام سبيل النجاة وسبب لنيل رحمة الله وفضله وهدايته

قال ابن القيم: «الاعتصام نوعان: اعتصام بالله، واعتصام بحبل الله، قال الله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} (آل عمران-103) وقال: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (الحج-78)، ومدار السعادة الدنيوية والأخروية على الاعتصام بالله والاعتصام بحبله ولا نجاة إلا لمن تمسك بهاتين العصمتين.
فأما الاعتصام بحبله فإنه طريق نحو مقصده فهو محتاج إلى هداية الطريق والسلامة فيها فلا يصل إلى مقصده إلا بعد حصول هذين الأمرين له، فالدليل كفيل بعصمته من الضلالة وأن يهديه إلى الطريق، والعدة والقوة والسلاح التي بها تحصل له السلامة من قطاع الطريق وآفاتها، فالاعتصام بحبل الله يوجب له الهداية واتباع الدليل، والاعتصام بالله يوجب له القوة والعدة والسلاح والمادة التي يستلئم بها في طريقه.
وقد جاءت نصوص تبين فضل التمسك بدين الله وبكتابه منها أن:

الاعتصام بالله وبدينه سبيل النجاة
كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران -101).
يقول ابن سعدي: “ثم أخبر أن من اعتصم به فتوكل عليه وامتنع بقوته ورحمته عن كل شر واستعان به على كل خير فقد هدي إلى صراط مستقيم موصل له إلى غاية المرغوب لأنه جمع بين اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله وأحواله وبين الاعتصام بالله”.

الاعتصام سبب للنجاة من النفاق وآثاره الخطيرة في الدنيا والآخرة
كما قال عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء-145).
قال ابن سعدي: «وتأمل كيف خص الاعتصام والإخلاص بالذكر مع دخولهما في قوله {وأصلحوا} لأن الاعتصام والإخلاص من جملة الإصلاح لشدة الحاجة إليهما خصوصا في هذا المقام الحرج الذي تمكن فيه النفاق من القلوب فلا يزيله إلا شدة الاعتصام بالله ودوام اللجء والافتقار إليه في دفعه وكون الإخلاص منافيا كل المنافاة للنفاق؛ فذكرهما لفضلهما وتوقف الأعمال الظاهرة والباطنة عليهما ولشدة الحاجة في هذا المقام إليهما”.

الاعتصام سبب لنيل رحمة الله وفضله وهدايته
كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا، فأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (النساء- 175).
قال الرازي: «اعلم أنه تعالى لما أورد الحجة على جميع الفرق من المنافقين والكفار واليهود والنصارى وأجاب عن جميع شبهاتهم عمم الخطاب ودعا جميع الناس إلى الاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ} والبرهان هو محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما سماه برهانا لأن حرفته إقامة البرهان على تحقيق الحق وإبطال الباطل، والنور المبين هو القرآن الكريم، وسماه نورا لأنه سبب لوقوع نور الإيمان في القلب ولما قرر على كل العالمين كون محمد رسولا وكون القرآن كتاب حق، أمرهم بعد ذلك أن يتمسكوا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ووعدهم عليه بالثواب فقال: {فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به} والمراد آمنوا بالله في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه وأسمائه، واعتصموا به أي: بالله في أن يثبتهم على الإيمان ويصونهم عن نزغ الشيطان ويدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيماً”.
ويبين ابن سعدي بدلالة مفهوم المخالفة لهذه الآية أن من لم يؤمن بالله ويعتصم به ويتمسك بكتابه منعهم من رحمته وحرمهم من فضله وخلى بينهم وبين أنفسهم، فلم يهتدوا بل ضلوا ضلالا مبينا عقوبة لهم على تركهم الإيمان، فحصلت لهم الخيبة والحرمان (الاعتصام في القرآن د.وليد الربيع).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *