إن خروج الطفل إلى الشارع إفراز لضغوط عدة، فكل حالة تتميز بخصوصيتها والتي غالبا ما تعكس تخلي الأسرة عن وظائفها الجوهرية والتحلل والتفكك التدريجي للروابط الأسرية تحت ضغط الفقر وأعباء المواليد الجدد لفتح المجال للأطفال تحت ظروف الإهمال واللامبالاة لشارع غير منضبط تربويا ومحفوف بشتى المخاطر، وعلى العموم فإن أهم أسباب الظاهرة:
1- البعد عن الدين وانتشار الفساد الأخلاقي وشيوع الزنا: هذا الحال أفرز ضحايا كنتيجة حتمية تمثلت في أبناء الزنا، هذه المعضلة التي أقضت مضاجع جميع المجتمعات الغربية، ثم انتقلت بعد ذلك لتشمل للأسف الشديد مجتمعنا المغربي المسلم نتيجة التفريط في الأحكام الشرعية من غض البصر وحفظ الفرج والزواج المبكر..، ونتيجة لهذا التفريط أصبحت الدولة والمجتمع ملزمين بتحمل أعباء كانا فيما مضى في غنى عنها، فأنشئت للحد من هذه المعضلة مراكز وجمعيات وهيئات أنيط بها مهمة التكفل بالأطفال في وضعية صعبة والذين هم في الغالب ضحايا الزنا، لا كما يسميهم بنو علماء “الأبناء الطبيعيين”.
2- انتشار الخمور والمخدرات في المجتمع: هذه المعضلة التي شتت شمل أسر عديدة، فكم من أب اغتصب ابنته تحت تأثير المخدرات، وكم من النساء من حملت من محارمها، وكم.. وكم..وأمام فضاعت هذا الجرم لا تجد الضحايا ولا أبناؤهن بدا من التوجه إلى الشارع.
أما بالنسبة للمدمنين على الخمور والمخدرات وإن لم يقترفوا فاحشة زنا المحارم ففي الغالب ما يحول إدمانهم دون إعالة أسرهم وأبنائهم، مما يدفع أغلبهم إلى الخروج إلى الشوارع بغية العمل، فيسقطون ضحية الاعتداءات الجنسية والمخدرات، كما أن أغلب المدمنين إما أن ينتهوا جثثا هامدة في المقابر، وإما سجناء يزيدون من أعباء الدولة والمجتمع.
3- الفقر: ذلك أن المغرب من أكثر الدول العربية التي تشهد هجرة مكثفة من القرى إلى المدن، والتي تسفر عن بون شاسع في المستويات المعيشية بين الأسر، فتضطر الأسر الفقيرة -بسبب عدم كفاية أجرة الأب مثلا- إلى وضع حد لمتابعة أبنائه للدراسة والزج بهم قبل الأوان في سوق العمل.
فقد لا يستطيع الزوج أو رب الأسرة توفير الاحتياجات الضرورية لأسرته بسبب كبر حجمها وضعف قدرته على التأطير والتربية، فلا يكون أمامه سوى خيارين، إما أن يقع في الحرام (السرقة-الاختلاس-المتاجرة في المخدرات..) للحصول على المال أو يدفع بعض أفراد أسرته لمسالك السوء (الدعارة-الشذوذ..) لتغطية الاحتياجات، فتكون النتيجة تفكك الأسرة وتشرد أطفالها.
يقول الطفل عبد السلام 13 سنة: “إذا لم أعد للبيت في آخر اليوم بمبلغ 30 درهما فإن أبي سيقتلني ضربا، لذا لا أستطيع الرجوع إلى البيت إلا بعد الحصول على هذا المبلغ حيث أضطر للعمل في عدة مهن في اليوم الواحد”.
ونتيجة لهذا كله يتشرد الأطفال في الشوارع ويتخلفون عن الدراسة وتترسب لديهم مشاعر الكراهية نحو الحياة والمجتمع وكل من حولهم، مما يؤدي بهم إلى الدخول في دائرة الانحراف والتمرد على القيم والنظم وإدمان المخدرات مع استغلال تجار المخدرات لهؤلاء الأطفال في ترويج السموم، وصولاً إلى أمراض أخرى أخطر وأعمق تأثيرًا في بنية المجتمع مثل التطرف والانحراف الأخلاقي..
4- المشاكل الأسرية: يعتبر التفكك الأسري نتيجة طبيعية للخلافات المستمرة بين الزوجين، ويكفي أن نعلم أن نسبة ليست بالقليلة من أطفال الشوارع لديهم آباء و أمهات، إما أب أو أم، فهم ليسوا كلهم لقطاء، هؤلاء الأطفال نستطيع تقسيمهم إلى ثلاثة أنواع:
– أطفال يعيشون بين الشارع و البيت.
– أطفال يشتغلون بالشوارع، وأغلبهم يحققون دخلا لا بأس به.
– أطفال يتعرضون للاستغلال البشع من طرف الشارع، إما عن طريق تشغيلهم في ظروف صعبة أو عن طريق الاستغلال الجسدي.
وتنجم هذه الخلافات الزوجية عن عدم التفاهم والتوافق النفسي بين الزوجين، وعدم التفاهم هذا قد يكون بسبب الوضع الاقتصادي للزوج؛ فهو يلعب دورًا كبيرًا في تصدع العلاقة بين الزوجين ففي حالة الغنى نجد أن بعض الأزواج الأغنياء ينشغلون بجمع المال عن أسرهم، فنجدهم لا يجلسون مع أبنائهم ليتبادلوا الحوار معهم والتعرف على مشاكلهم ومتطلباتهم فهنا يعيش الطفل حالة من انعدام التأطير، ويشعر بالإهمال والضياع النفسي، فلا يجد من يؤنسه غير رفقاء السوء، فيبدأ في التعرف عليهم ليدخل معهم دائرة التشرد ظنًّا منه أنه سوف يجد ما يشغله.
يقول كريم 16 سنة: ” أفضل الشارع على البيت، فهناك دائما صراع في المنزل بين أخي الكبير ووالدي، حيث يقوم الأول بسرقة الأمتعة مما يجعل أبي يطرده من البيت و هناك دائما مشاحنات بينهما”.
هناك نقطة هامة يجب الالتفات إليها وهي أن تشرد الأطفال بسبب تفكك الأسرة جاء نتيجة عدم احتفاظ المجتمع بمقومات الاستقرار الأسري كما جاءت في الإسلام، فقد استورد المجتمع ضوابط انفصام عُرَى الزوجية كما هي مدونة في القوانين الغربية، فكانت النتيجة أنه عندما تفشل الحياة الزوجية، يكون الذي يدفع الثمن ليس الطرف المسؤول عن فشلها، وإنما الأطفال.
5- الانقطاع عن الدراسة: ذلك أن كل أطفال الشوارع هم أطفال لم يكملوا تعليمهم لسبب أو لآخر، حيث يصبح وقت الفراغ أطول و الآفاق المستقبلية أضيق، فينضمون بالتالي إلى قافلة التشرد، في غياب شبه تام للجمعيات الخيرية التي تؤطر الأطفال المنقطعين عن الدراسة، بغية الاستفادة منهم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير.
وإضافة لما سبق، فهناك أسباب أخرى قد تساعد على تفسير الظاهرة، وهي التي ترتبط عموما بميول هؤلاء الأطفال إلى التحرر والهروب من سلطة وضغوط أسرة متداعية أو مفككة يفتقد فيها الطفل إلى الشعور بالانتماء، ويعجز عن التكيف معها، خاصة في حالة انحراف كلا الأبوين أو أحدهما، ليبقى الشارع عنصر جذب ومجالا لاكتساب مفاهيم متجددة من أجل البقاء، تؤدي مع ترسخ الاستئناس بحياة الشارع إلى نمط عيش قوامه ثقافة التهميش والإقصاء.