الفكر النسوي.. وهدم النظم العقدية

من هذه الأفكار التي يركز عليها الفكر النسوي الغربي المعاصر حق المرأة في الإجهاض؛ وقبول الميل الجنسي المغاير (الرجل يميل إلى المرأة والمرأة تميل إلى الرجل) ليس دليلاً إلا على قمع الرجل للمرأة، وهذا عكس الميل الجنسي المثلي وخاصة السحاق؛ لأن المرأة عندما تختار امرأة أخرى تحقق حريتها الحقيقية!!

كانت البدايات الأولى للفكر النسوي -والتي بدأت بالقرن التاسع عشر- تهدف إلى شيء واحد وهو هدم النظم العقدية في المجتمعات الغربية.
وقد اعتقد الفكر النسوي الغربي أن الرسالات السماوية تمثٌل عائقاً في مواجهة الأهداف النسوية؛ لأن هذه الرسالات شكلت وعي الشعوب والمجتمعات الأبوية الذكورية.
ويرى الفكر النسوي أن حواء أعطت البشرية كلها نسلاً يحمل الخطيئة نتيجة ميلها وإطاعتها الحية، وهذا أدى إلى أن يحكم الرب على المرأة بأن تقع تحت سيطرة وهيمنة الرجل، ومن ثم لم يعد لها أي دور في هذا العالم.
وقد انعكست هذه الصورة المتدنية للمرأة على كتبة نصوص العهدين القديم والجديد وعلى المفكرين والفلاسفة الغربيين، فوجدنا تراثاً يحمل كراهية شديدة للمرأة.
وقد كانت أفكار العديد من القديسين حول المرأة القاعدة الأساسية التي شكلت بعد ذلك الفكر الغربي المسيحي، فقد حمَّلوا المرأة خطيئة آدم عليه السلام، فأصبحت بذلك باباً للشيطان والمسؤولة عن الانحلال الأخلاقي وتردي المجتمعات البشرية، ومن ثم أصبحت المرأة ألدٌ أعداء الرجل، وهي صديقة حميمة للشيطان.
وقد أقر بولس -رسول المسيح في المعتقد النصراني- المبدأ الرئيس في التراث الغربي المسيحي تجاه المرأة قائلاً: “ولكني أريد أن تعلموا أن المسيح هو الرأس لكل رجل، أما رأس المرأة فهو الرجل”. (الرسالة الأولى إلى كورنثوس:11-3)
ويقول أيضاً: “ذلك أن الرجل عليه ألا يغطي رأسه باعتباره صورة لله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل، فإن المرأة أخذت من الرجل، والرجل لم يوجد لأجل المرأة، بل المرأة وجدت لأجل الرجل”. (الرسالة الأولى إلى كورنثوس:11:7-10)
انعكست هذه الأقوال التي اتخذت شكلاً مقدساً على الكنيسة، فأصبحت كراهية المرأة في الفكر الغربي سائغة دينياً، لهذا لم تعط الكنيسة أية وظيفة كنسية للمرأة؛ لأنها في مرتبة أدنى عند الرب. وأصبحت المرأة في الفكر الغربي رمزاً للخضوع والسيطرة والتبعية للرجل الأبيض الذي يمتاز بالسمو والتفوق والعقل.
وقد انتقد الفكر النسوي الصفات السلبية التي ألصقت بالمرأة في الحضارة الغربية.
فعلى سبيل المثال: يقول أفلاطون في محاورة طيماوس: “الطبيعة البشرية صنفان: الجنس الأعلى وسوف يسمى من الآن فصاعداً باسم الرجال، فلم يكن الخلق الأصلي يتألف إلا من الرجال، أولئك الذين استطاعوا قهر شهواتهم وأصبحوا فضلاء على الأرض، وسوف يسمح لهم بالعودة إلى سعادة النجوم التي أتوا منها، أما بالنسبة لأولئك الذين فشلوا على الأرض والجبناء والأشرار؛ فسوف يعاقبون بأن يولدوا من جديد نساء”.
ويعرِّف أرسطو الأنثى بأنها ذكر مشوٌه، حيث يربط بين العقل والرجل، في حين أن المرأة لم تصل بعد -في رأي أرسطو- إلى أن تكون إنساناً، فضلاً عن أن المرأة بجانب العبيد والحرفيين والتجار والصُنٌاع لابد أن تساعد الرجل على الوصول إلى الخير الأقصى: السعادة.
كما وجه الفكر النسوي انتقاداته لرائد العقلانية الغربية الحديثة “ديكارت” الذي يذكر دائماً بأنه مؤسس الفكر الغربي الحديث، والذي يُعد المسؤول الرئيس عن سيادة التصورات والمفاهيم التي شكلت العقلية الغربية إزاء المرأة؛ حيث ربط العقل بالذكورة والمادة بالأنوثة، فقد وضعت الفلسفة الديكارتية تمييزاً صارماً بين ما هو عقلاني وما هو غير عقلاني، وهذا التمييز أدى إلى اختلاف الرجل الذي يمثل في فلسفته العقل والتفكير العقلاني، والمرأة التي تمثل الجسد والتفكير اللاعقلاني.
لقد ثارت المرأة في الفكر الغربي المعاصر على هذه النصوص التي تقلل من شأن المرأة في الحضارة الغربية.
ولم يكتفي الفكر النسوي الغربي المعاصر بالدعوة إلى تحرير المرأة من المعتقد فحسب؛ بل امتدت إلى إلزام الشعوب غير الغربية بتبني أفكاره وتصوراته عن طريق اتفاقيات دولية تقرها الأمم المتحدة والمجالس والهيئات التابعة لها.
فمن هذه الأفكار التي يركز عليها الفكر النسوي الغربي المعاصر حق المرأة في الإجهاض؛ وإلى قبول الميل الجنسي المغاير(الرجل يميل إلى المرأة والمرأة تميل إلى الرجل) ليس دليلاً إلا على قمع الرجل للمرأة، وهذا عكس الميل الجنسي المثلي وخاصة السحاق؛ لأن المرأة عندما تختار امرأة أخرى تحقق حريتها الحقيقية.
إن مكمن خطورة هذا الفكر أنه تحول إلى فكر عالمي وانتشر مع الدعوة إلى عولمة العالم وتطبيق النموذج الأمريكي بوصفه نموذج عالمي. (انظر: الفكر النسوي وثنية جديدة: د.خالد قطب؛ والحركة النسوية وخلخلة المجتمعات الإسلامية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *