لماذا اخترنا الملف؟

رغم ادعاء البعض أن الحرية مفهوم مجرد، غير مرتبط بأي خلفية أو أيديولوجية، إلا أن ذلك مجانب للحقيقة.
فالحرية كباقي المفاهيم والمصطلحات، مرتبطة بخلفية فلسفية أو عقدية أو فكرية، تتحكم فيها وتصيغها في قوالب، بل وتجعل منها أدوات وآليات لخدمة المرجعية التي انبثقت عنها.
فقد أعلن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وأغلب الشعوب ترزح تحت نير الاستعمار، لأنها مختلفة حضاريا ودينيا وثقافيا.
ويحتفل اليوم الناس بالذكرى 68 لليوم العالمي لحقوق الإنسان، ومدن عدة من العالم الإسلامي تصب عليها القنابل الأمريكية والروسية والأوربية، وعلى رأسها مدينة حلب، التي يتابع العالم أجمع شلال الدم بها، دون أن يرف له جفن. بل إن روسيا والصين استعملت حق الفيتو، للاعتراض على مشروع لإيقاف إطلاق النار، هذا الفيتو الذي يدل على أن احترام حقوق الإنسان، كذبة كبيرة صنعتها الدول الكبرى.
وتعرف عدة دول عربية وإسلامية انتهاكات خطيرة، واعتقالات واغتيالات، كما حدث بمصر من مجازر، كل ذلك لا يململ المنتظم الدولي ولا مؤسساته.
بالمقابل وأمام كل هذه المآسي، وهذا النفاق العالمي، لايجد بعض المتشدقين من أبناء جلدتنا أي حرج، في تنصيب أنفسهم دعاة لحقوق الإنسان، ومنافحين عن الحريات، لكنهم يختارون من تلك الحقوق والحريات، فقط ما يناقض ويعارض ويخالف، قيم وهوية وعقيدة شعوبنا الإسلامية، استكمالا منهم لعملية الهدم والتفتيت والتفكيك لأمتنا التي بدأتها الحملات الاستعمارية، وأكمل البقية وكلاء الاستعمار قديما، وهاهم وكلاؤه الجدد يتدثرون بخطاب الحقوق، لاختراق منظومتنا الثقافية وقيمنا وهويتنا الوطنية. ومن جهة أخرى لاستدرار الدعم والتمويل، عبر دغدغة عواطف بعض الدوائر في الغرب والعزف على أوتارها الحساسة.
لا يتعلق الأمر بطبيعة الحال بالحقوق المتفق عليها بين الشرائع والثقافات والحضارات، من قبيل الحق في الشغل والكرامة والصحة والحرية والعدل والسكن، فهذه من مطالب البشرية في كل زمان ومكان.
بل يتعلق الأمر بحقوق شاذة غريبة عن بيئتنا وتربتنا وعقيدتنا، ليست من أولويات الحقوق لدى شعبنا، من قبيل حقوق الشواذ، وحق الردة، وحق الإفطار في رمضان، وحق انتقاد المقدسات، وحرية انتقاد النصوص الشرعية ومناقشتها ورد أحكامها القطعية من غير المتخصصين، كحكم الإرث وغيره.
لكل هذه الأسباب اخترنا هذا الملف لتسليط الضوء على القضية، وتجلية المفهوم الأصيل من المفهوم الدخيل للحرية.
مصطفى الحسناوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *