سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم خطر عظيم ومرتع وخيم

أجمع أهل السنة قاطبة على عدالة الصحابة رضوان الله عليهم؛ من لابس الفتن منهم ومن لم يلابسها؛ ولم يجعلوا من أنفسهم حكاماً عليهم بل التمسوا لهم الأعذار وأكنوا لهم المودة والحب والاحترام، كيف لا وقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: “من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين” (صحيح الجامع:6285)، وقال صلى الله عليه وسلم: “لعن الله من سب أصحابي” (صحيح الجامع:5111).

قال أبو بكر المروزي: “سألت أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم. فقال: ما أراه على الإسلام” (شرح الإبانة ص161).
وقال ابن كثير: “وأما ما شجر بينهم بعده صلى الله عليه وسلم فمنه ما وقع من غير قصد كيوم الجمل؛ ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين؛ والاجتهاد يخطئ ويصيب ولكن صاحبه معذور إن أخطأ ومأجور أيضاً؛ وأما المصيب فله أجران اثنان وكان علي وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين”.
لهذا كان موقف أهل السنة من الصحابة موقفاً نبيلاً؛ فقد ذبوا عنهم ودرؤوا أهل الأهواء وصرحوا بكفر من كفَّر أحداً من الصحابة رضي الله عنهم؛ ومن سب واحداً منهم فهو فاسق.
يقول الإمام أحمد: “إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام” (الكفاية في علم الرواية للخطيب؛ والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر).
ويقول أبو زرعة الرازي: “إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق والقرآن حق وما جاء به حق؛ وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة رضي الله عنهم؛ وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة؛ والجرح بهم أولى؛ وهم زنادقة” (الكفاية في علم الرواية).
قال النووي: “والله أعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره، لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون” (شرح النووي على صحيح مسلم16\93).
وقال القاضي أبو يعلى: “مَن قذف عائشة مما برأها الله منه كفر بلا خلاف؛ وحكى الإجماع على هذا غير واحد” (الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة لابن حجر الهيثمي).
وقال سفيان بن عيينة: “من طعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو صاحب هوى” (الكفاية في علم الرواية: 97).
وقال الإمام مالك بن أنس: الذين يشتمون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له سهم أو قال نصيب في الإسلام.. (الإبانة لابن بطه ص:162).
وقال القرطبي بعد أن ذكر قول مالك: “من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} إلى قوله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} قال: “لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله، فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين وأبطل شرائع المسلمين” (الجامع لأحكام القرآن 16/297).
بل إن الإمام مالكاً رحمه الله يرى قتل من قال بضلال أحد من الصحابة (شرح النووي على مسلم).
وروي عن مالك أنه قال: من سب أبا بكر جلد؛ ومن سب عائشة قتل، قيل: لم؟ قال: من رماها فقد خالف القرآن. (مناقب الإمام مالك للزواوي).
وقال سحنون: من كفَّر أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عليا أو عثمان أو غيرهما أوجع ضربا. (مناقب الإمام مالك للزواوي).
وقد اختلف أهل العلم في الحكم والعقوبة التي يستحقها من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو جرحهم، هل يكفر بذلك وتكون عقوبته القتل، أو أنه يفسق بذلك ويعاقب بالتعزيز.
ذهب جمع من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة رضي الله عنهم أو انتقصهم وطعن في عدالتهم وصرح ببغضهم؛ إلا أن يتوب من ذلك ويترحم عليهم.
وممن ذهب إلى هذا القول من السلف: الصحابي عبد الرحمن بن أبزى، وأبو بكر بن عياش؛ وسفيان بن عيينة؛ ومحمد بن يوسف الفريابي، وبشر بن الحارث المروزي، ومحمد بن بشار العبدي، و غيرهم كثير، فهؤلاء الأئمة صرحوا بكفر من سب الصحابة، وإلى هذا القول ذهب بعض علماء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية.
وذهب فريق آخر من أهل العلم إلى أن ساب الصحابة لا يكفر بسبهم بل يفسق ويضلل ولا يعاقب القتل بل يكتفى بتأديبه وتعزيره تعزيراً شديداً يردعه ويزجره حتى يرجع عن ارتكاب هذا الجرم الذي يعتبر من كبائر الذنوب وفواحش المحرمات، وإن لم يرجع تكرر عليه العقوبة حتى يظهر التوبة، وممن يرى بذلك من الأئمة: مالك بن أنس كما في الشفا، وعمر بن عبد العزيز كما في الصارم المسلول (ص:569)، وعاصم الأحول، وإسحاق بن راهوية، وجمع غفير من الأئمة.
وبعد فهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعقوبة التي رتبها أئمة الهدى على كل من تجرأ على النيل من هؤلاء الصفوة، عرضناها بكل تجرد حتى يتبين خطر الخوض في عدالتهم؛ نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبهم وموالاتهم وأن يطهر قلوبنا من كل ما يكدر موالاتهم ونصرتهم {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *