لا يختلف اثنان ممن يتعاطون الفقه في جواز أخذ الأجرة على الرقية الشرعية لحديث أبي سعيد الخدري رضي لله عنه في رقية سيد الحي اللديغ وغيره.
ولكن إذا نظرنا إلى حال ذلكم الحي، الذي لُدغ سيده فسنجد في الحديث نفسه، أنهم كانوا قوماً لئاماً، وقد كانوا على الشرك، وقد منعوا الصحابة حق الضيف الذي لهم.
فكان من المناسب استيفاء الحق منهم كاملاً جزاءً وفاقاً لخبثهم ولؤمهم في منع حق الضيف.
ومع هذا فلا نقول ولم يقل أحد إنه لا يجوز أخذ الأجرة إلا ممن كان في مثل حالهم، ولكن الذي يقال: أن المسلم أوْلى بالإكرام والمسامحة على أي حال، فيجب مراعاة ذلك قال تعالى: “أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ” (السجدة: 18)
وعليه فقد قال بعض أهل العلم بأنه مع جواز أخذ الأجر على الرقية إلا أن الأوْلى تركها حسبة لله تعالى.
هذا وينبغي التفريق أيضاً: بين من يطلب المال بنفسه، وبين من يُعرَض عليه المال من غير طلب، لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه حيث قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله: “خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا، فلا تتبعه نفسك) (البخاري 1473 ومسلم 1045).
متى تستحق الأجرة للراقي؟
قال ابن عبد البر عن النشرة: (وإذ كانت مباحة فجائز أخذ البدل عليها، وهذا إنما يكون إذا صحّ الانتفاع بها فكل ما لا ينتفع به بيقين فأكل المال عليه باطل محرم) (التمهيد، 6/241).
هذا الذي قاله ابن عبد البر قد نطقت به الأدلة ففي حديث أبي سعيد: “فبرأ الرجل” وفي رواية: “فكأنما نشط من عقال”، وفي رواية: “فانطلق يمشي وما به قَلَبَة”.
فهذا ما كان، وهذا ما أفتى به أهل العلم حيث نطقت به الأدلة. فأين هذا مما يفعله العديد من المعالجين في هذا الزمان؟!
فالبعض لهم عيادات أو قل مستشفيات لاستقبال المرضى، وفتح الملف بكذا.. والمقابلة بكذا والقراءة بكذا… إلخ.
وبسبب تكاثر عدد المرضى صرنا نسمع عن جلسات العلاج العامة منها والخاصة، ولكل جلسة سعرها الخاص بها.
يضاف إلى ما سبق ما يبتزّه البعض من المرضى بأسلوب غير كريم، عن طريق بيع بعض الأدوية أو الأغراض الأخرى مثل: عسل النحل، وزيت حبة البركة (الحبة السوداء) وزيت الزيتون، وأحياناً زجاجات المياه المعدنية وبأسعار مرتفعة، لماذا؟ لأن المعالج قد نفث فيها من ريقه المبارك!
ويحسن أن نختم كلامنا في هذا المقال بهذا الكلام النفيس للعلامة صدِّيق حسن خان حيث يقول في كتابه: الدين الخالص (2/343- 344): “.. وكل عمل ودعاء ينشر المرض والداء وينفع من الأسقام والأدواء يصدق أنه نشرة، يجوز الانتفاع به، إن كان من ألفاظ القرآن والسنة، أو من المأثور من السلف الصلحاء، الخالي عن أسماء الشرك وصفاته، باللسان العربي وإلا كان حراماً أو شركاً.
وفي الباب كتب ومؤلفات لأهل الدعوات، تشتمل على رَطْب ويابس، وعلى ما جاز ولم يجز، فَلْيَتَحرّ المؤمنُ الموحد عند الاعتمال بما فيها، ما هو ثابت صحيح، مُبرّأٌ من كل شك وشبهة، ولْيَدَعْ ما هو على غير طريقة الإسلام، وإنما هو فعل أهل العزائم والأوفاق، الذين يكتبون التعاويذ في الهندسة والحروف، والخطوط ونحوها فإن ذلك لا يصلح لشيء. وكذلك النفث في الخيوط المعقودة.
والله سبحانه كافٍ لعبده، إن توكل عليه، ولم يتعلق بغيره، واكتفى بالأدعية المسنونة، والأدوية المباحة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وحيث إن الشرك أخفى من دبيب النّمل، يجب غاية التحري فيه والتجنب من أنواعه وأطرافه وما يشبه ذلك. وبالله التوفيق، وهو المستعان”. الدين الخالص/ صديق حسن خان