قبل أيام قليلة؛ أقدم عضو حزب الأصالة والمعاصرة والبرلماني عن الدائرة الانتخابية بالرحامنة محمد المهدي الكنسوسي على اتهام الدكتور محمد المغراوي رئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بتهمة الإرهاب؛ ووصف الجمعية التي يترأسها الدكتور المغراوي بقوله: “حزب سري مضلل وإرهابي”.
وقال في ثنايا مداخلته: “ماذا تفعل الدولة مع هذا الحزب الإرهابي الذي من أهدافه أن يقضي على السياحة في مراكش؟”.
كان ذلك أثناء جلسة مناقشة مشروع قانون المالية بمجلس النواب؛ ولما تساءل بعض النواب عن كنه هذا الحزب وحقيقته؟ أجاب الكنسوسي بأن رئيس هذا الحزب هو محمد بن عبد الرحمن المغراوي!
أكيد أن الأسباب والدوافع التي قادت ممثل حزب الأصالة والمعاصرة إلى وصف الدكتور المغراوي بهذه التهمة هي أهداف سياسية؛ ترجع بالأساس إلى الهزيمة النكراء التي مني بها حزب “البام” بمنطقة الحوز التي ترشح فيها الكنسوسي، وهي الجهة التي يتمتع فيها الدكتور محمد المغراوي بقبول وشعبية كبيرة؛ على اعتبار أنه عالم ومصلح وشيخ سلفي ذاع صيته؛ لا ينتمي إلى المؤسسة الدينية الرسمية أو إلى حزب أو جهة معينة؛ همّه الدعوة إلى الله وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن المرجعية الأيديولوجية حاضرة بقوة في الحرب الضروس التي يقيمها حزب الجرار ضد الحركات الإسلامية بصفة عامة؛ والسلفية منها بصفة خاصة؛ تمثلت حلقاتها في مجموعة من الأحداث والتصريحات الخطيرة والمستفزة لنواب هذا الحزب؛ والتي من جملتها الرمي بتهمة التطرف والإرهاب لكل من خالفهم في التوجه والمرجعية.
فإقصاء الصالحين وتشويه سمعتهم ورميهم بالتهم الجاهزة سنة قديمة؛ حكى لنا القرآن الكريم جانبا من ذلك؛ فقال سبحانه: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}؛ فما كان ذنب لوط عليه الصلاة السلام غير الدعوة إلى العقيدة الصحيحة والأخلاق الحميدة؛ إلا أن السفهاء والمجرمين لم يتحرجوا على الإطلاق من رميه وقومه بالعظائم؛ فطالبوا بإخراجهم من القرية لأنهم يخالفونهم ويتحرجون من فعل صنيعهم.
ولما دخلت قوات الاحتلال المغرب وفرضت نظام “الحماية” عليه؛ كان قادتها يصفون كل وطني مجاهد مخلص بتهمة الإرهاب والعمل على تأسيس حزب سري وزعزعة الأمن العام للبلد؛ إلا أن الجميع كان يلعنهم في الخفاء؛ ويعلم في قرارة نفسه المصلح من المفسد.
وبعد أحداث 11 شتنبر وإعلان أمريكا الحرب على المسلمين؛ وتقسيمها العالم إلى فسطاطين؛ فسطاط كفر وفسطاط إيمان؛ فسطاط حلفاء أمريكا وفسطاط أعدائها؛ وبعد أن قرر بوش الصغير العمل بقاعدة: (كل من ليس معي فهو عدوي)؛ صارت جميع الحركات الإسلامية وغير الإسلامية المعادية للمخطط الأمريكي حركات إرهابية؛ وقد استغل الفصيل العلماني -القليل العدد في الدول العربية- هذه الفرصة ضد غريمه التقليدي؛ وبات يصف كل من يخالفه ويخالف توجهه بالإرهابي؛ حتى وإن كان المرجع والمثال المقتدى لدى العلمانيين -العالم الغربي- لم يحدد بعد مفهوما واضحا لكلمة الإرهاب؛ ومن يدخل فيها ويخرج منها.
فسهل جدا أن نرمي شخصا ما بتهمة ما؛ لكن صعب جدا أن نثبت ذلك ونقيم عليه الحجج والبراهين؛ وهو الأمر الذي عجز عنه فعلا محمد الكنسوسي حين سئل عن هذا الحزب وحقيقته فحار جوابا وقال أي شيء.
وتنويرا للرأي العام الوطني حول مؤسسات دور القرآن الكريم والخدمات الجليلة والكبيرة التي تقدمها للمجتمع؛ وحقيقة التهم التي تلقى هنا وهناك دون بينة أو برهان؛ ارتأينا فتح هذا الملف.