كيف يتم الوصول إلى التجديد العلماني بشكل جذري وثوري؟

النقد الإيديولوجي هو وسيلتنا للتخلص من فكر العصور الوسطى لكي “نودع نهائياً المطلقات جميعاً، ونكف عن الاعتقاد أن النموذج الإنساني وراءنا لا أمامنا”(1). من أجل ذلك لا بد أولاً من انزياح هذه الأنظمة الكبرى المتمثلة في الأديان من دائرة التقديس والغيب، باتجاه الركائز والدعامات التي لا زال العلم الحديث يواصل اكتشافها(2)

وانزياح المقدس يعني أن نخترق المحرمات وننتهك الممنوعات السائدة أمس واليوم ونتمرد على الرقابة الاجتماعية(3) ونخترق أسوار اللامفكر فيه وندخل إلى المناطق المحرمة(4)، ونسعى إلى خلخلة الاعتقادات، وزحزحة القناعات، وزعزعة اليقينيات، والخروج من الأصول العقائدية(5)، وإعادة النظر في جميع العقائد الدينية عن طريق إعادة القراءة لما قدمه الخطاب الديني عامة(6)، ومراجعة كل المسلمات التراثية(7)، وطرد التاريخ التقليدي من منظومتنا الثقافية لأنه بناء عتيق تهاوت منه جوانب كثيرة، فوجب كنس الأنقاض قبل الشروع في البناء(8).
وتكريس القطيعة مع الماضي – كما فعل الغربيون – هو الحل وليس الإصلاح “لا أحد يتكلم أبداً عن التجديد بمعنى القطيعة والاستئناف، بل الجميع يدعو إلى الإصلاح والإحياء والعودة إلى حالة ماضية”(9) في حين المطلوب هو “اجتثـاث الفكر السلفي من محيطنـا الثـقافي”(10) لأنه كـان وسيبـقى سبب التخـلف(11) لأنـه قـائم على ثقـافة مـاضوية، لفظية، عقيمـة اجتـرارية، انتهـازية، نفعيـة، محافظة، رجعيـة، تقليدية… الخ(12). ولا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تنهدم البنية التقليدية للـذهن العربي، وتتغير كيفية النظر والفهـم التي وجهت الذهـن العربي ومـا تزال توجهه (13).
والوسيلة المجدية لذلك هي”هدم الأصل بالأصل نفسه” وإذا كان التغير يفترض هدماً للبنية التقليدية القديمة، فإن هذا الهدم لا يجوز أن يكون بآلة من خارج التراث العربي، وإنما يجب أن يكون بآلة من داخله، وإن هدم الأصل يجب أن يمارس بالأصل ذاته(14). هذه الآلة ما هي إلا التأويل الباطني الغنوصي الذي ينفي النبوة الإسلامية ويقيم على أنقاضها دين العقل(15).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإيديولوجيا العربية المعاصرة؛ عبد الله العروي ص:16.
(2) تاريخية الفكر؛ أركون ص:26.
(3) إشكالية القراءة؛ خالد السعيداني ص:125.
(4) الخطاب والتأويل؛ نصر حامد أبو زيد ص:116 والحديث عند نصر حامد عن أركون وانظر ص:235.
(5) نقد النص؛ علي حرب ص:72-143-144.
(6) القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني؛ أركون ص:6.
(7) الخطاب والتأويل؛ نصر حامد أبو زيد ص:228.
(8) مجمل تاريخ المغرب؛ عبد الله العروي ص:25.
(9) الإيديولوجيا العربية المعاصرة؛ للعروي ص: 104 وانظر: الخطاب النقدي؛ مبروكة الشريف ص:115.
(10) العرب والفكر التاريخي؛ العروي ص:225.
(11) السابق ص:223.
(12) الخطاب النقدي؛ مبروكة الشريف ص:53 وهي كلمات متفرقة في خطاب عبد الله العروي تحصيها الباحثة.
(13) الثابت والتحول؛ أدونيس 1/32-33.
(14) السابق 1/33، وانظر: إشكالية القراءة لنصر حامد آليات التأويل. ص:232.
(15) الثابت والتحول؛ أدونيس 2/209.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *