البشير الدخيل*: ينبغي أن نعلم أن مخيمات تندوف هي الوحيدة في العالم المطوقة بالعسكر والسلاح وفيها منظمة مسلحة

أجرى الصحفي والباحث في القضية الصحراوية محمد لغروس حوارا مع ذ. البشير الدخيل القيادي السابق بجبهة البوليساريو، وحاول صاحب كتاب “الصحراء المغربية” من خلال حواره هذا أن يدفع محاوره إلى تجلية الصورة حول المتدخلين في ملف الصحراء من جهة؛ والوضعية المزرية التي يعيشها المحاصرون في مخيمات الخزي والعار من جهة أخرى، وفي هذا العمود ننقل بعض التصريحات المهمة التي أدلى بها البشير في حوار المذكور.

س: سبق وقلتم إنه من بين أسباب فشل اللقاءات غير الرسمية بين كل من المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تركيبة وفد الجبهة، فهل تقصدون قدرته على اتخاذ القرار أم التمثيلية السياسية فيه؟
ج: أولا قيادات البوليساريو وكما يعلم الجميع هي قيادة عمرت في مناصبها أزيد من 35 سنة، كما أنها مفروضة من قبل الجزائر، وفي مقدمتها عبد العزيز المفروض على الجبهة من قبل النظام الجزائري، ولذلك فهذه القيادة لا تتوفر على استقلالية القرار، ولا تتوفر حتى على حرية الرأي والتعبير، والذي يرجع في نهاية المطاف للسلطة المركزية الجزائرية وقيادة الجبهة لا قرار لهم، ومن ثم نفهم مع احترامنا للإخوة أنه ليس لديهم ما يقدمون في مثل هذه اللقاءات وفي هذا الميدان، وهذه اللقاءات هي لقاءات من حيث المضمون لا يمكن لها أن تأتي بجديد؛ وإن كانت تبدو من حيث المظهر مهمة.
س: هل من الممكن أن ينضاف البشير الدخيل إلى لائحة الفاعلين المطالبين بحوار مباشر مع الدولة الجزائرية. ما دامت البوليساريو لا تتوفر على قرار حاسم في هذا الموضوع؟
ج: نحن نطالب بداية بمشاركة كل التيارات الصحراوية في المفاوضات لأن الوفد المشارك لا يعكس وجهة نظر سكان المخيم؛ لا من حيث التمثيلية السياسية ولا القبلية، ولذلك فهذه اللقاءات بداية غير متزنة، لأن وفد البوليساريو لا يعبر عن رأي الصحراويين، مما يعني ضرورة فتح حوار مباشر مع الدولة الجزائرية.
س: كيف تلقيتم الخطاب الاستثنائي للملك محمد السادس حول مسألة الجهوية؟
بالنسبة إلي أود التذكير بأن هناك بالمغرب أكثر من 7000 نسمة صوتت بأقدامها على الحكم الذاتي، وأن يحل المشكل داخل المغرب منذ أن بدأ النزاع حتى اليوم، والحل داخل المغرب لا يمكن إلا أن يكون وفق صيغة ديمقراطية، إما الحكم الذاتي أو نظام الولايات أو الجهوية الموسعة إلى ما دون ذلك.
وهكذا سنجد أن من بين المؤشرات الديمقراطية للبلدان هو مدى اعترافها بخصوصيات المجموعات والاعتراف بالأقليات وتوقيرها والاعتراف بكل مكونات أمة معينة، ولذلك جلالة الملك محمد السادس حاول دائما أن يركز في كل خطاباته على هذا الموضوع، في إطار مقترح مغربي مهم، أمام الجزائر وجبهة البوليساريو اللذان لم يتقدما إلى غاية اليوم بأي مقترح.
وإلى حدود اليوم ما زالا يرددان الأسطوانة ونفس الخطاب المرتبط بخيار الاستقلال وتقرير المصير، وهذا الأخير كما يعلم الجميع لا يعني بالضرورة الاستقلال، بل إن الحكم الذاتي هو نوع من أنواع تقرير المصير، وكذلك الجهوية الموسعة، ولذلك نحن نعتقد أن الحل الوسط والحل الموضوعي هو ما نادى به محمد السادس؛ المرتبط بالجهوية الموسعة التي ستراعي خاصية هذه المنطقة.
س: هل ترون أن الجهوية حل جيد أم حل وسط في أفق تغيير آخر؟
ج: ليس هناك حل آخر، لأن الانفصال خيار ممكن، وحتى الذوبان وسط المغرب ككل غير ممكن؛ لأنه سيطمس الخصوصية واللهجة المحلية، ومجموعة من الحقوق المسطرة دوليا في طار حقوق الإنسان، ولذلك فالجهوية في أفق الحكم الذاتي هي الأنجع والأقرب.
وعلينا أن نتذكر جميعا أن كوفي عنان قبل أن يتنحى عن مسؤوليته في الكتابة العامة للأمم المتحدة ألقى خطابا أكد فيه على أنه من الناحية التقنية، لا يمكن للأمم المتحدة القيام بعملية استفتاء في الصحراء لأن الأوضاع تغيرت، و”بيتر فان فالسوم” ذهب أيضا في هذا الاتجاه، ونحن أبناء الصحراء ونعرف هذا المشكل جيدا، ونؤكد أن هذا حل مستحيل، وهو حل قدم في زمن الحرب الباردة، ونحن اليوم في زمن العولمة، الذي تغيرت معه المعالم والأوضاع.
كل ذلك يدل على أن هذا المقترح لا يرعي المتغيرات ولا يراعي الوقائع الحاصلة على الأرض، ومن ثم فإن الحل الأنجح هو نوع من الحكم الذاتي كما هو وارد في إسبانيا وألمانيا وفي أماكن مختلفة من العالم، ومن أجل السير قدما في بناء دولة قوية كبيرة مترامية الأطراف، تراعي خصوصية كل مجموعة بشرية.
س: لماذا في نظركم ترفض كل من الجزائر وجبهة البوليساريو فكرة إحصاء اللاجئين المحتجزين في تندوف؟
ج: سنة 1976 كنت أمثل الهلال الأحمر الصحراوي بالجزائر، وكان لي تنسيق مع الهلال الأحمر الجزائري، وأتذكر أن رئيس الهلال الأحمر الجزائري آنذاك قدم استقالته بسبب أن سلطات الجزائر والبوليساريو رفضوا إحصاء الساكنة في مخيمات تندوف لأسباب سياسية، وأنتم تعلمون أن في مخيمات تندوف سنة 1976 كانت فيها فقط 42 ألف نسمة وضمنها فقط 18 ألف نسمة من السكان الصحراويين، والبوليساريو دائما في مختلف المشاريع التي يقدمها من أجل طلب المساعدات الإنسانية يتلاعب بالأرقام.
وقد سبق لي أن كتبت عن مسألة التلاعب بالأرقام هاته من جبهة البوليساريو من أجل أكبر استفادة من المساعدات المقدمة، وأنا أتوفر على وثيقة كانت قد قدمتها الجزائر تقول بأن المخيمات تتوفر على 750 ألف نسمة سنة 1981، وفي باريس سبق أن قالت بأنهم مليون نسمة.
وهكذا يمكنني القول بأن البوليساريو وجد ضالته في التلاعب بالأرقام، ومن المعلوم أن المخيمات تضم صحراويين جزائريين وصحراويين موريتانيين وصحراويين مغاربة وأناس من مالي ومن الطوارق، مما يعني أن البنية البشرية للمخيمات متنوعة ولا يشكل الصحرويون المغاربة حتى نصف المحتجزين، وهذا ما أكدته عدة إحصاءات، والتي أثبتت أن أغلب الصحراويين المغاربة يوجدون فوق الأراضي المغربية المسترجعة.
س: بصفتكم قياديا سابقا في الجبهة، وكذلك من مؤسسيها؛ حدثنا عن الاحتجاجات الأخيرة بالمخيمات، وهل من الممكن أن تعيد أحداث أكتوبر 1988 التي حدثت بالمخيمات؟
ج: هذه الأحداث كانت مرتبطة بشكل أو بآخر بالأحداث التي كانت في نفس السنة بالجزائر، والتي أفرزت خططا أخرى وسياسات مغايرة، وهذا التغير في أوضاع النظام بالجزائر انعكس بشكل مباشر على الأوضاع في تندوف، وهنا يمكنني القول إن العد العكسي لنهاية الجبهة انطلق مع هذه الأحداث، فمنذ ذلك الحين أصبحت استراتيجية الجبهة مبنية على الإرهاب، وعلى ما يسميه بالشبكات التي يخترعها من حين لآخر ويدعي أنها نظمت من قبل المغرب أو جهات أخرى، وبذلك يقومون بحبس عدد من الأطر والمثقفين، ومن هنا تشكل نوع من الانفصال بين سكان المخيمات والقيادة وكشف أمرها، وأصبحت الناس تتحدث عن القيادة وفشلها بكل علانية، ولذلك فما قامت به مجموعة العيايشة قديما واليوم سيكون بمثابة النقطة التي ستفيض الكأس؛ لأنه لا يوجد أحد راض عن الوضع الموجود اليوم بمخيمات تندوف؛ لأنه مأسوي جدا ومزري جدا.
وأخيرا شاهدتم كيف أن الجزائر منعت دخول نوع من السيارات التي تستخدم البنزين إلى الميخيمات مخافة أن تتحول إلى وسائل للهرب والتنقل الحر، كما ينبغي أن نعلم أن هذه المخيمات الوحيدة في العالم المطوقة بالعسكر والسلاح وفيها منظمة مسلحة، ولهذا لا يمكن أن نعتبرهم لاجئين وإن كانوا في البداية كذلك، فقد تم تحويلهم إلى جنود وإلى محتجزين مؤطرين في خلايا وفي لجن سواء للخدمة و للحراسة.
ولا أدل على ذلك من كون هذه المخيمات اليوم لا تتوفر على جمعيات ولا على أي رأي مخالف لرأي قيادة الجبهة، وكذا خط الشهيد الذي لا يجد اليوم فضاء للتعبير عن رأيه داخل المخيمات.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس منتدى البدائل الدولية والقيادي السابق بجبهة البوليساريو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *