1ــ ما أسباب سقوط الخلافة العثمانية؟
لا يمكن الحديث عن أسباب محددة لتفسير سقوط الخلافة العثمانية؛ فالامبراطوريات الكبرى في التاريخ لم تسقط لأسباب داخلية أو خارجية بل لأسباب متداخلة داخليا وخارجيا؛ وهذا السقوط لا يحصل في سنة أو شهر بل يبدأ تدريجيا لمدة طويلة قد تستغرق قرنا أو أكثر. الخلافة العثمانية أصبحت هدفا لأوروبا الصليبية واليهود منذ سقوط القسطنطينية عاصمة بيزنطة عام 1453؛ ثم سقوط غرناطة عام 1492؛ ثم ازداد عزم أوروبا والكنيسة على القضاء عليها بعد حصار فيينا في القرن السادس عشر. فقد كانت الخلافة العثمانية تخيف الغرب الذي كان يخشى توسعها وسيطرتها على كامل أوروبا؛ بحيث صارت تهديدا مباشرا للمسيحية.
وخلال هذه المراحل كان يتم تجنيد العملاء في الداخل خاصة يهود الدونمة الذين لعبوا دورا خطيرا في هدم الخلافة؛ ثم ظهر حزب تركيا الفتاة؛ وحصلت مذبحة الأرمن التي قام بها طلعت باشا واتهمت بها الخلافة؛ فقد فر طلعت باشا من تركيا بعد المذبحة وقتل في الخارج مما ترك ثغرة في الموضوع. وبسبب هذه المذبحة بدأ الغرب يتدخل في شؤون الخلافة عبر ملف الاقليات كاليهود والنصارى والارمن؛ وظهر عهد التنظيمات المعروفة بالاصلاحات؛ كان الهدف منها ضرب الخلافة من الداخل؛ كما تم فرض القروض على الدولة التي ارهقت كاهلها. ومع ظهور التيار القومي العروبي بدأت الإمبراطورية تتحلل بسبب تمرد العرب على سياسة التتريك؛ واستغلت بريطانيا طموحات بعض العشائر العربية لضرب الخلافة فظهرت حركة الشريف حسين بعد الحرب العالمية الأولى التي طالبت بانفصال العرب.
ومع ظهور الحركة الصهيونية بدأ تشديد الخناق على الخلافة للتخلي عن فلسطين لليهود؛ وتحالفت هذه الحركة مع يهود الدونمة في الداخل؛ وبدأ التضييق على السلطان عبد الحميد الثاني؛ وبعد الحرب سيطر كمال أتاتورك على السلطة وتم تجريد الخليفة من صلاحياته؛ إلى أن تم الإعلان عن زوال الخلافة رسميا عام 1923 وطرد السلطان وعائلته خارج تركيا. فهذا هو المسار الذي قطعه سقوط الخلافة والذي دام ثلاثة قرون وأكثر؛ ولذلك نرى أن سقوطها كان نتيجة عوامل مجتمعة بين الأخطاء الداخلية والخيانة والمؤامرات.
2ــ طبيعة العلاقة بين العرب والعثمانيين؟
العلاقة بين العرب والعثمانيين لم تكن علاقة جيدة بسبب سيطرة النزعة القومية الطورانية في مؤسسة الخلافة والادارة والاقاليم التابعة للخلافة؛ فقد كان العرب يشعرون بالتهميش وكانت المناصب العليا في الدولة يتولاها الأتراك؛ مما أشعر العرب بالتمييز وجعلهم في وضع أقلية.
وقد ظهر تيار إصلاحي يريد إصلاح النظام كان فيه عدد كبير من العرب لكن نزعة التتريك كانت متغلغة في دواليب الدولة وربما كانت هناك مؤامرة لتشجيع سياسة التتريك لدفع العرب إلى المطالبة بالاستقلال كبداية للقضاء على الخلافة؛ واستغل الغرب هذا الوضع للتلويح بالسيادة العربية ونشر النزعة القومية بين العرب وخلق صدام بين العرب والأتراك؛ وهو ما تبين مع إنشاء جامعة الدول العربية بإيعاز من بريطانيا عام 1944؛ وهذا تاريخ له أهميته لأنه تزامن مع الحرب العالمية الثانية وبداية هجرة اليهود إلى فلسطين والتفكير في إنشاء دولة إسرائيل التي ظهرت بعد اربع سنوات.
ولكن الصراع بين العرب والأتراك كان له جانب آخر ديني؛ حيث رأى بعض العرب أن الخلافة عربية وأن العثمانيين اغتصبوا الخلافة؛ وهو موقف أعاد قضية الحكم إلى الأصول العائلية أو القبلية القديمة المنافية لروح الإسلام الذي يرفض النزعة العرقية؛ وكانت الوهابية أحد المحاور في هذا الصراع من خلال محاولة تعريب الخلافة وطرح العروبة مقابل التتريك؛ حيث انتفضت في الجزيرة العربية قلب الإسلام ضد العثمانيين؛ وحصل الصراع حول السيطرة على مكة. وقد تبين فيما بعد أن الغرب وظف هذه العناصر لضرب الخلافة من خلال العرب أنفسهم؛ لأن التاريخ كشف أن الأتراك الجدد كان لديهم هذا الطموح في الانفصال عن العرب أكثر مما كان لدى العرب في الانفصال عن الأتراك؛ لأن أول ما قام به أتاتورك هو إلغاء اللغة العربية والارتباط بأوروبا والقضاء على الإسلام في تركيا ونشر العلمانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*محلل سياسي وباحث متخصص في الفكر الاسلامي