عيوش والدعوة إلى العامية

لا يمكن حتما أن نعتبر دعوة رئيس جمعية زاكورة نور الدين عيوش في مذكرته التي رفعها إلى الملك، وإلى رئيس الحكومة، ووزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، والمجلس الأعلى للتعليم، وجميع المؤسسات المهتمة بقطاع التعليم، وفعاليات المجتمع المدني والأحزاب، ودعا فيها صراحة إلى إحلال العامية المغربية محلّ ما تبقى من العربية الفصحى في مناهجنا التعليمية والتربوية، ووضع حد للكتاتيب القرآنية، امتدادا لتلك المعارك الأدبية التي عرفها الوطن العربي، أو استمرارا لتلك الأصوات المبحوحة التي ظلت تصرخ بضرورة إخراج العربية الفصيحة من تابوتها المحنّط! وقواعدها الآلية الجافة! وأساليبها الثقيلة المعقدة! إلى اللغة العامية المتحررة! السلسة! المنسابة! المنطلقة! التي يسهل على الناس كتابتها وقراءتها، كما قد سهل عليهم التحدث والتحاور بها.
لا يمكن أن نصنف الدعوة العيوشية في هذا الإطار، لافتقارها على الأقل من الناحية التحليلية لكل مقومات العلمية، والواقعية، والتاريخية، وافتقادها للسياق الفكري، والشرط الثقافي الذي فرضته ظروف تلك المرحلة التي أنتجت “المساجلات والمعارك الأدبية في مجال الفكر والتاريخ والحضارة” بتعبير الأستاذ أنور الجندي رحمه الله.
فما هو إذن الإطار الذي يمكن فيه قراءة دعوة عيوش هذه، إذا لم تكن في إطار ذلك السياق، وضمن تلك الشروط؟
لا نريد أن نبسط الكلام في مرجوحية اللهجة العامية وقصورها عن الفصحى من الوجوه العلمية والواقعية، ولا نريد أيضا أن نسترسل في بيان أسباب وخلفيات ومقاصد دعاة العامية، فقد تكفّل به حراس الأمة وحماتها، ويمكن الرجوع إلى ما كتبوه فإن فيه الغنية والكفاية، ولكننا سننبه على نقاط نرى لها أهمية حاضرة وهي:
1- دعوة عيوش هي في الحقيقة دعوة سياسية وليست ثقافية، تروم التشويش، ولفت النظر، وإشغال الناس وصرفهم عن الاهتمام بالقضايا الكبيرة للأمة المغربية، واصطناع معارك وهمية لا صلة لها باهتمامات الناس وواقعهم، ثم إنها دعوة مفرغة من محتواها، أي لا فائدة علمية منها، لأن المغاربة كل المغاربة، لا يجدون أصلا صعوبة في فهم اللسان الدّارج.
2- دعوة عيوش مخالِفة للدستور المغربي، الذي ينصّ في فصله الخامس على أن العربية -أي الفصحى- هي اللغة الرسمية للدولة، وبالتالي يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في الدفاع عنها، ورد الهجمات المتتالية عليها، وإلا فلا معنى لعبارة الدستور في نفس الفصل: “وتعمل الدولة على حمايتها، وتطويرها، وتنمية استعمالها”.
3- نحمّل الحكومة المغربية المسؤولية الكاملة في أي وضع متأخر وهامشي قد تصير إليه اللغة العربية أكثر مما هي عليه اليوم، لأن الدستور أوجب عليها الحماية، والتنمية، والتطوير.
4- نؤاخذ على الحكومة المغربية في جملة ما نؤاخذ عليها، تأخرها في إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، المنصوص عليها في نفس الفصل من الدستور، وتأخرها في إخراج القانون التنظيمي الذي يحدد صلاحياته، وتركيبة أعضائه، وكيفيات سير عمله.
5- وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية معنية أيضا بشكل مباشر بمذكرة عيوش التي دعت إلى إلغاء الكتاتيب القرآنية، وإجهاض ما تبقى من المواد الشرعية في مؤسساتنا التعليمية، وهنا فعلا نريد من وزارة الأوقاف أن يهزها الحرص على الأمن الروحي للمغاربة، وتأخذها الغيرة على الخصوصية المغربية الدينية واللغوية.
وزارة الثقافة لها المسؤولية الكبيرة أيضا في صيانة الهوية اللغوية لهذا البلد، لذلك من تمام واجبها العمل على إنهاض اللغة العربية، وتشجيعها، وتنميتها، وتطويرها في مختلف أعمالها وأنشطتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *