عنوان الملف كيف أنقذت تركيا مسجد “آيا صوفيا” من مؤامرة أرثوذكسية دولية؟

 

لماذا اخترنا الملف؟

اعتبر المسلمون أن قرار الرئاسة التركية إعادة الصبغة الدينية الإسلامية لآيا صوفيا واستئناف وظيفتها مسجدا للمسلمين، هو إحقاق للحق ورفع للظلم عنهم، لطالما عانوا منه طيلة 86 سنة، بينما أصيب دول الغرب بخيبة الأمل وحركت إعلامها وسياسييها وقساوستها الأرثوذكس، في حملة على تركيا ورئيسها.

ومعلوم لدى كل باحث أن هذا القرار ليس مفاجئا، وليس وليد اليوم، فله تاريخ طويل، يلخصه الصراع الحضاري بين الإسلام والمسلمين والصليبية الحاقدة، المستقوية اليوم بالدول العلمانية التي تستغل الدين والطائفية والقوميات وكل النعرات لتدبير مصالحها الاستراتيجية.

ومهما كان الأمر، فمن المقطوع به تاريخيا أن العالم الإسلامي خاض معارك ضارية ضد الهجمات الغربية الصليبية في سلسلة من الحروب الحضارية، انتهت بانتصار المعسكر الغربي الصليبي/العلماني، حيث تم إخضاع الأقاليم التابعة للخلافة الإسلامية لأنظمة الاحتلال والانتداب والحماية، فعاشت الأمة الإسلامية مرحلة لم تعشها من قبل إلا في زمن حملات التتار الهمجية.

ولم تنته الحرب العالمية الأولى حتى كانت بلدان المسلمين نهبا للدول الغربية وفق خريطة سايس-بيكو، ثم توالت الأحداث في متغيرات متتالية، هجمت خلالها المذاهب والملل والنحل، وانطلقت جيوش التنصير في كل ربوعها؛ فصار نظام الخلافة الإسلامي مزاحما في بلدانه، حتى تمكنت الدول الغربية من إسقاطه بتواطؤ مع يهود الدونمه، المحرك الرئيس لجمعية الاتحاد والترقي، ثم حزب تركيا الفتاة الذي تأسس على قاعدته الحزب الجمهوري الحارس للعلمانية في تركيا.

تكللت مؤامراتهم بعزل السلطان عبد الحميد، ثم لما تمت صناعة كمال أتاتورك تولى مهمة تصفية الإرث الإسلامي في دولة الخلافة، حيث قام بتغيير وجه الخلافة ومحو الوجود الإسلامي في الحكم، لينتهي به الأمر إلى إلغاء نظام الحكم بالإسلام وشريعته في سنة 1924، وإخراج الخليفة وأتباعه ومصادرة أموالها، وجعل الميراث متساويا بين الرجل والمرأة، ومنع الأتراك من أداء شعائر الحج والعمرة، ومنع الأذان في المساجد باللغة العربية أولا، ثم منع الأذان في المساجد نهائيا، ثم قام بإغلاقها، ثم حولها إلى مخازن غلال، ثم منع الحجاب بالكلية، وألغى الاحتفال بالعيدين الفطر والأضحى، وألغى الحروف العربية من اللغة التركية واستبدلها بالحروف اللاتينية، ومن شدة كرهه لكل ما هو إسلامي شطب من اسمه اسم مصطفى لأنه يحيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم غير القسم بالل، إلى القسم بالشرف عند تقلد الوظائف والمناصب الرسمية، وأخيرا أوصى قبل موته ألا يصلى عليه صلاة الجنازة.

في هذا السياق يجب أن يفهم إلغاء وظيفة آيا صوفيا المسجدية ومنع المسلمين من الصلاة فيها، وتحويلها إلى متحف، فاستصحاب هذه الحقيقة يجعلنا نوقن أن ذلك القرار كان اعتداء وقع في حق المسلمين وانتهاكا لدار عبادتهم، وبهذا يكون إعادة آيا صوفيا مسجدا ليس سوى تصحيحٍ لخطأ وتحقيق للعدل، وإنصاف للمسلمين.

لذا، وحتى نربط الماضي بالحاضر ارتأينا في جريدة السبيل أن نقوم بإعداد ملف يوضح تفاصيل المؤامرة الغربية على آيا صوفيا، ويبين أن الضجة التي أحدثها قرار إعادة آيا صوفيا مسجدا مرة ثانية بعد 86 وثمانين عاما من التعطيل، ليس إلا دليلا على حزن الغرب والجهات المتآمرة على فشل مخططاتها بشأن آيا صوفيا، التي كان مخطط المشروع الغربي/الروسي قد جعلها نواة دولة “الفاتيكان الأرثوذكسي” في إسطنبول، وضغط من كل جانب حتى يتحقق له ذلك، “وهي الخطوة الأولى نحو تحقيق الحلم الصليبي الذي يتم توريثه للأجيال الصليبية باستعادة اسطنبول مرة أخرى من المسلمين، والتي مازالت تشكل جرحا غائرا في الوجدان الصليبي حيث إنها كانت عاصمة دولتهم البيزنطية تحت اسم القسطنطينية”.

ويظهر من خلال هذا الملف أن فوز حزب الرفاه الإسلامي في سنة 1994م بالانتخابات في تركيا، ونجاح رجب الطيب أردوغان “أجّل تحقيق الحلم الصليبي لبعض الوقت، حيث أبلغت “تانسو تشيللر” رئيسة الوزراء التركية بيل كلينتون الرئيس الأمريكي، آنذاك، أثناء مباحثاتهما غير الرسمية، صعوبة تحقيق الطلب الأمريكي بإعطاء شخصية الدولة المستقلة في الوقت الحالي لبطريركية “فنار الروم” خاصة بعد النتائج التي أعطتها الانتخابات المحلية لصالح الرفاه، وهذا الكلام على ذمة “سردار تورغوت” مراسل صحيفة “حريت”، کبری الصحف التركية والمنشور يوم 1994م، والمراسل علماني والصحيفة يملكها اليهود أيضا”.

كنيسة “فنار الروم” في إسطنبول هي الأساس في الحلم الأرثوذكسي، فبطريركية “فنار الروم” تعتبر أحد أضلاع المثلث التأمري، حيث كان يتم العمل على قدم وساق لتحويلها إلى “فاتيكان أرثوذكسي”، ومعلوم تاريخيا أن بطريركية “الفنار” شاركت الجيش اليوناني في عدوانه على تركيا عام 1918م، حيث أرسلت متطوعين بلغ عددهم خمسة آلاف بأسلحتهم لدعم هذا الجيش، في الوقت الذي انشق فيه 72 راهبا أرثوذكسيا على أسقف الكنيسة بسبب موقفه، وشاركوا في المقاومة الوطنية.

تفاصيل كثيرة وتصريحات للزعماء الكنسيين الأرثوذوكس والساسة الغربيين تضمنها هذا الملف، الذي ارتأينا أن نحيي فيها بعض ما سبق أن نشرته مجلة المجتمع في عددها 1097 الصادر في 15 ذي القعدة 1414هـ/26-04-1994م، وذلك لأهميته التاريخية وراهنيته المهمة في فهم ما يحدث.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *