التطبيع مع الكيان الصهيوني إقرار باحتلاله الأرض واغتصابه العرض

جاء في فتوى الرابطة أن “الواجب الديني على كل مسلم نصرة إخوانه ومعاونتهم على إخراج الأعداء من أرضهم، وعدم التطبيع مع الأعداء أبداً؛ لأن التطبيع مع الغاصب خذلان لأصحاب الحقوق وضرر بالغ بهم، فأين التعاون بين المسلمين على الأعداء إذا طبَّع المسلم مع عدو أخيه ومغتصب أرضه وقاتل بنيه”.لقد أدرك الصهاينة من خلال دراساتهم لتجارب الأمم السابقة أنهم ما لم يقضوا على روح الجهاد وعقيدة الولاء والبراء في الأمة الإسلامية فإن مصيرهم سيكون كمصير أسلافهم من الصليبيين، حين أخرجوا من بيت المقدس -عجل الله تحريره- خاسئين مدحورين.

والصهاينة يعلمون جيداً أنه لا خطر عليهم من الحكومات العلمانية، فقد سالمتهم منذ زمن طويل؛ فالقبول بدولة اليهود من قبل هذه الحكومات لا تحقق لها الأمن الذي تريده، ولا يكفي هذا لضمان استقرارها، لأن الخطر عليها إنما يأتي من الشعوب المسلمة، أو ما يسمونها هم بـ”الحركات الأصولية”، ولا طريق للوصول إلى هؤلاء إلا عن طريق ما يسمونه بـ(التطبيع).
هذا بالضبط ما خلص إليه الباحث اليهودي (ألوف هارايفن) في مؤسسة (فان لير) في القدس بعد دراسة قام بها حول سبب انعدام الثقة بين اليهود والبلدان العربية، حيث استنتج أن هناك أربع عقبات صعبة تعمل على ذلك، وذكر منها: الموقف الثقافي والعقائدي للعرب والمسلمين تجاه اليهود.
والتطبيع مصطلح يهودي يراد منه أن يُقبل بالكيان الصهيوني في المنطقة العربية ككيان مستقل معترف به، وأن يكون له الحق في العيش بسلام وأمن، مع إزالة روح العداء لهم من جيرانهم، ولا يكون هذا إلا عن طريق إحداث تغيير نفسي وعقلي جذري عند المسلمين، عن طريق القضاء على عقيدة الولاء والبراء وروح الجهاد، أو إضعاف تأثير ذلك عليهم.
ومعاهدات السلام والاعتراف السياسي هو بوابة هذا التطبيع، كما صرح بذلك الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في خطابه الافتتاحي لمؤتمر مدريد: “إن السلام الحقيقي يتضمن: المعاهدات، الأمن، العلاقات الدبلوماسية، العلاقات الاقتصادية، التجارة، الاستثمار، التبادل الثقافي، وحتى السياحة”. (انظر المشروع الشرق أوسطي لكيالي).
وقد اشتق لفظ التطبيع (Normalisation) من الكلمة الإنكليزية (Normal) بمعنى العادي أو المعتاد أو المتعارف عليه، وفي مختار الصحاح “الطبع هو السجية جبل عليها الإنسان”، وفي المعجم الوسيط “تطبع بكذا أي تخلّق به، وطبّعه على كذا أي عوّده إياه”، ولا توجد مادة تطبيع في المعاجم العربية لأنها محدثة، فالمعنى الحالي مأخوذ من ترجمة هذه الكلمة عن لفظة إنجليزية تم تداولها أخيراً خاصةً بعد اتفاقيات كامب ديفيد، لكن يمكن تصوير معنى كلمة تطبيع بأنه “العودة بالأشياء إلى سابق عهدها وطبيعتها”.
وحقيقة التطبيع مع اليهود يشمل “كل اتفاق رسمي أو غير رسمي أو تبادل تجاري أو ثقافي أو تعاون اقتصادي مع صهاينة رسميين أو غير رسميين” ويهدف إلى “إعادة صياغة العقل والوعي العربي والإسلامي بحيث يتم تجريده من عقيدته وتاريخه ومحو ذاكرته خاصة فيما يتعلق باليهود، وإعادة صياغتها بشكل يقبل ويرضى بما يفرضه اليهود” ومآله: الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع والاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض كدولة ذات شرعية، وتحويل علاقات الصراع بينها وبين البلدان العربية والإسلامية إلى علاقات طبيعية وتحويل آليات الصراع إلى آليات تطبيع”.
وبذلك يتضح أن المقصود بالتطبيع هو سلام دائم وليس عبارة عن هدنة مؤقتة ومسالمة يركن إليها المسلمون لضعفهم في زمن معيَّن -كما يعتقد بعض من يقولون بجواز التطبيع- باعتبار أنه صُلحٌ أو سِلمٌ جنح له العدو، ولا يخفى أن هناك فرقا شاسعاً بين اتفاقيات التطبيع وبين أحكام الهدنة والصلح التي ذكرها العلماء، وأهون ما يمكن أن يقال عن هذه الاتفاقيات أنها صلح دائم مع عدو محتل لأرض المسلمين غاصب لمقدساتهم وهذا محرم باتفاق المسلمين، وقد قال جمع من علماء المسلمين أن الصلح الدائم مع اليهود لا يجوز شرعاً لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه.
وقد أكدت الفتوى الصادرة من رابطة علماء فلسطين عدم جواز التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني، موضحة أنه “إذا استوطن أحد من الأعداء أرض المسلمين، فلا يجوز أن يقره على هذا الاستيطان أحد من المسلمين، وأن التطبيع بمثابة إقرار من المسلم المطبع لعدوان العدو واحتلاله.
وجاء في فتوى الرابطة أن “الواجب الديني على كل مسلم نصرة إخوانه ومعاونتهم على إخراج الأعداء من أرضهم، وعدم التطبيع مع الأعداء أبداً؛ لأن التطبيع مع الغاصب خذلان لأصحاب الحقوق وضرر بالغ بهم، فأين التعاون بين المسلمين على الأعداء إذا طبَّع المسلم مع عدو أخيه ومغتصب أرضه وقاتل بنيه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *