فضائيات تهدم العقيدة وترسخ مفهوم السحر والشعوذة والدجل

في ظل المعطيات التقنية المعاصرة وفي ظل ثورة المعلومات ظهرت علينا الفضائيات التي غزت البيوت والعقول وأصبح العالم بواسطتها قرية صغيرة يستطيع المشاهد في بيته أن يرى العالم كله من خلال ضغطة على زر التحكم, وبقدر ما جلبته بعض القنوات من إيجابيات فقد كان لأخرى، وهي الكثيرة، سلبيات واضحة من خلال ظهور عدد من القنوات الفاضحة التي تبث الرذيلة وتهدم الفضيلة .
وكانت الطامة الكبرى مؤخرا ظهور قنوات خاصة للدجل والشعوذة بمسميات شرعية يدَّعي أصحابها من خلالها علاج الأمراض وجلب السعادة والرزق للناس، ورغم التحذير الكبير من هؤلاء الدجالين إلا أن البعض، بقلة الوعي وضعف الوازع الديني، قد يلجأ لهؤلاء، فيستغلون ظروفه وحاجته ويقومون بابتزازه لتخليصه من مرضه وهمه وفقره وعلى الهواء مباشرة وأمام الملأ.
ومن أبرز هذه القنوات قناة “شهرزاد” وقناة “كنوز” وغيرها من التي تبث عبر القمر العربي “نايل سات”, وقد أضحت هذه القنوات ظاهر مؤرقة للغيورين على دينهم، خصوصا أنها تشكك الإنسان في العقيدة والدين، وتأمر بأفعال الشرك الأكبر وتهدم البيوت وتساهم في تقويض واستقرار وسعادة المجتمعات, واللافت للنظر أن القائمين على هذه القنوات هم من غير المسلمين أومن طوائف بعيدة تماما عن منهج أهل السنة والجماعة كالروافض.
أضحى التنجيم اليوم من الأمور الشائعة التي استشرت في الفضائيات والصحف والجرائد والمجلات الوطنية، فلا تكاد تخلو جريدة من أرقام وهواتف لقراءة الحظ (الطَّالْعْ)، وأصبحت منتشرة ومتداولة بين الناس، وأصبح لها طرقها وأساليبها، وبات الناس يتصلون بهؤلاء العرافين لمعرفة حظوظهم وقراءة مستقبلهم عبر الاتصال بهم عن طريق الفضائيات أو الجرائد بدلا من الذهاب إليهم, ويسعى القائمون على هذه الوسائل الإعلامية إلى استخدام عدة طرق لجذب الناس ككتابة الرقي والعزائم والحجابات وقراءتها على الشاشات واستخدام كرة الكريستال وكتابة الأرقام وغير ذلك من طرق الدجل المعروفة.

عبث بالعقل واستغلال تجاري
إن قراءة الكف والفنجان والأبراج وغيرها من وسائل الشعوذة التي تبث عبر الفضائيات أو غيرها من وسائل الإعلام هو بعد عن الأخذ بالمصادر الأصلية للشريعة الإسلامية وهو لا يحترم العقل, والمعروف أن الإسلام أقر باحترام العقل واحترام العلم، ومشاهدة مثل هذه القنوات والبرامج فيها عبث بالعقل وفيها إهدار للوقت، هذا الوقت سوف يحاسب عليه الإنسان أمام ربه.
إن انتشار قنوات الدجل والشعوذة سببه هو تحول الإعلام إلى إعلام غير هادف تجاري بحت، أصبح له زبائن عدة وهذا يعكس الفراغ الروحي المنتشر في مجتمعاتنا الإسلامية, فيستغل أصحاب الفضائيات ذلك ويقومون بجذب الناس لبرامجهم عبر الاتصالات الفضائية التي تدر عليه ربحا وفيرا يجنون من ورائها ثروات طائلة، بالاستخفاف بعقول الناس الضعفاء بالدجل والشعوذة والتنجيم وادعاء علم الغيب، هذا الاعلام يعكس احتياجات السوق من خلال ادعاءاته الكاذبة، وهذه الظاهرة ليست ظاهر محلية بل هي عالمية.
إن انتشار فضائيات الدجل والشعوذة تعود لأسباب عده أهمها ضرب هذه القنوات على الوتر الحساس لكثير من الناس الضعفاء والجهلاء، وحتى المثقفين الذين يكونون في حالة يأس ويريدون أن يتعلقوا بأي أمل في الحياة بسبب مرض أصابهم أو مصيبة حلت بهم.
هناك أكثر من علامة استفهام حول السماح للدجالين والعرافين بالظهور علنا في برامج عبر وسائل الإعلام والتأثير في الناس والضحك عليهم واستغلال ظروفهم دون وجود حسيب أو رقيب، إن ظهور هؤلاء الدجالين والمشعوذين عبر الفضائيات أمر مثير بحد ذاته لأن مثل هؤلاء محاربون من السلطات في كافة الدول العربية، ولا يعمل أغلبهم إلا في الخفاء, كما أنهم لا يملكون الأدلة والحجج لإثبات كلامهم, فكيف يسمح لهم بمخاطبة الملايين والتأثير فيهم، بل وحتى الأجيال القادمة من الشباب والأطفال الذين يستمعون لكلامهم وينخدعون بأقوالهم, فعلى وسائل الإعلام الالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية ومراقبة البرامج والمواضيع التي تبثها.

محاربة الظاهرة
في هذا العصر الذي يسمونه عصر الحضارة والتقدم العلمي والتقني تفشت في الناس الأوبئة المنافية للعقيدة ومنها انتشار فضائيات الدجل والشعوذة والخرافة، وهذا يدل على أن الشعوذة والدجل والكهانة لا تحارَب بالحضارة والتقدم العلمي التقني أو التكنولوجي بل إنها تحارَب بالعقيدة، والقرآن والسنة هو سلاح المسلم الوحيد الفعَّال الذي يجابه به الشرور والآثام والإفساد في الأرض، فالعقيدة أعز ما يملك الإنسان المسلم، فإذا طعن فيها فقد سُلِب منه أعظم ما يملك. وقد تعرضت العقيدة لحملة شعواء في القديم والحديث، وشن عليها غارات التجهيل والشعوذة والدجل، ليصدوا الناس عن العقيدة الصحيحة والتوحيد.
إن المجتمعات الغربية ورغم مما وصلت إليه من التقدم والحضارة، ترى الشعوذة والدجل والتنجيم والعرافة والكهانة متفشية بينهم، وللأسف الشديد فإن الداء انتقل إلى عالمنا الإسلامي اليوم حتى إنه قل ما يخلو بيتٌ من البيوت في هذا العصر إلا وتجد فيه مصدِّقاً بدجالٍ أو مشعوذ، يأتونهم بالليل والنهار، بل إنهم يسافرون ويشدون إليهم الرحال، لأن الثقة بالله قد فُقِدَت؛ ولأن العقيدة قد دُمِّرت في نفوس أولئك الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أتى كاهناً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً “(مسلم)، وفي السنن “من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”، وسواء ذهب السائل إليهم ببدنه أو اتصل بهم بواسطة الهاتف فالحكم واحد.
ولمحاربة هذه الظاهرة لابد من تطبيق ثلاثة أمور أولها: بيان خطر هؤلاء المشعوذين والدجالين على الفرد والمجتمع وبيان كذبهم وافترائهم وبعدهم عن الحقائق الشرعية والعقلية، والأمر الثاني: إقامة حملات لتقوية الوازع الديني لدى عامة الناس, ويتمثل العلاج الثالث في محاولة إيقاف مثل هذه القنوات أو إلغائها، رغم صعوبة هذا الموضوع فمسألة الرقابة في الفضائيات اليوم مختفية ويبقى على الفرد مسؤولية تنمية رقابته الذاتية لتحصين نفسه وأهله وأولاده ضد كل دخيل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *