أغلب الفتيات الخادمات بالبيوت في المغرب يتعرضن لانتهاكات جسيمة من قبل مشغليهن، سواء عبر الاعتداءات الجسدية بالضرب والتعنيف، أو الجنسية حيث وثقت جمعيات ومؤسسات عاملة في هذا الميدان مئات الحالات التي تعرضت فيها طفلات خادمات في البيوت للاغتصاب من طرف صاحب المنزل أو أحد أفراد أسرته
الحديث عن عمل المرأة يفتح النقاش حول محاور عدة وعلى مستويات مختلفة، لكننا في هذا المقال نسعى إلى تسليط الضوء على صور المعاناة التي تكابدها نساء كثيرات في ميادين عمل مختلفة، وتحديدا أولئك النسوة والفتيات اللاتي تضطرهن ظروف اجتماعية واقتصادية للخروج إلى العمل خادمات في البيوت أو نادلات في المقاهي.
وإذا أردنا التحدث بلغة الأرقام فإن ما لا يقل عن 30.000 هو العدد التقريبي للفتيات المغربيات القاصرات اللائي يعملن خادمات في البيوت، من مجموع حوالي 93.000 عاملة(*)؛ وبعيدا عن أرقام من جهات أخرى تشير إلى ضعف الأولى، فإنها تبقى أرقاما خطيرة تعكس الحجم الكبير للمغربيات اللاتي يعانين يوميا من ظروف عمل تحفها المخاطر من كل جانب، دون أن نغفل الإكراهات الاقتصادية والظروف الاجتماعية التي تلجئهن إلى النزول لامتهان تلك الأعمال التي تتنوع ما بين العمل خادمات في البيوت، أو نادلات في المقاهي، أو حتى عاملات نظافة يقضين اليوم في كنس الشوارع، وهي كلها أعمال تجعلهن عرضة لمختلف أشكال الإهانة والتحرش والاستغلال المهين، في ظل تنامي ظاهرة العنف المنزلي بحق الخادمات، والسلوكات السادية لكثير من أرباب العمل بحق العاملات، مستغلين حاجتهن وفقرهن، وفي كثير من الحالات يتعرضن للابتزاز والمساومة على حساب شرفهن إن أردن الاستمرار في العمل، والإحصائيات في هذا الصدد مفزعة.
فبحسب جمعية «ماتقيش ولدي» فإن أغلب الفتيات الخادمات بالبيوت في المغرب يتعرضن لانتهاكات جسيمة من قبل مشغليهن، سواء عبر الاعتداءات الجسدية بالضرب والتعنيف، أو الجنسية حيث وثقت الجمعية وغيرها من المؤسسات العاملة في هذا الميدان مئات الحالات التي تعرضت فيها طفلات خادمات في البيوت للاغتصاب من طرف صاحب المنزل أو أحد أفراد أسرته، أما العنف اللفظي والحرمان لفترات طويلة من الأكل والشرب فيكاد يكون سمة ثابتة في جميع الحالات، وتتفاقم المأساة في ظل منظومة قانونية زجرية قاصرة عن الانتصار لهذه الفئة الضعيفة في المجتمع.
أما عمل الفتيات في المقاهي نادلات يطفن على الموائد، فتلك ظاهرة خطيرة بدأنا نعاينها في مجتمعنا في السنين الأخيرة، ولا يخفى ما فيها من انحراف وفساد تنجر إليه وتَجر إليه أولئك الفتيات، لاسيما باعتبار الهيئة التي يظهرن بها وهن يخدمن رواد المقاهي، وكثير من أصحاب هذه الأخيرة بدأوا يلجؤون إلى تشغيل من يجدن فيها أقوى علامات الإغراء والإغواء لجلب مرضى القلوب الباحثين عن الحرام، ثم لا تسل عن المصائب والويلات التي تنجم عن هذه المظاهر المنحرفة، والتي لا تقف عند تفريخ من يسميهم العلمانيون «الأطفال الطبيعيين»، باعتبار أن أطفال الزواج الشرعي ميتافيزيقيين.
مثقفو الطبقة المخملية الذين تعودنا منهم النقد الأجوف والتحليل المقرف للظواهر الاجتماعية التي تُبرز مآسي الطبقة الفقيرة الطويلة العريضة في هذا الوطن المصنف في قائمة الدول النامية، لا يهمهم في كل تلك الأرقام سوى ما توحي به لشعب في دولة مثل السويد أو فنلندا، حيث لا وجود لهياكل فاسدة أو أطر ضائعة؛ فلا ينفك أصحابنا عن التشغيب والتشويه لإيهام الرأي العام الوطني والدولي بإخفاقنا وفشلنا مقارنة بتجارب تلك الدول، وكأن المغرب يحمل مقومات الندية لها، وهو الذي بدأ للتو يتعافى من عقود فساد تسببت في الشق الأكبر منه «قيادات» حزبية جثمت طويلا على مقدرات وإمكانيات البلد بثقلها المصنوع في باريس على عين دهاقنة الاحتلال.
فتصرخ إحداهن معلنة رفضها أن تعيش كـ«ثريا» في البيت، معبرة بذلك عن ضيق أفق ونظرة قاصرة وتصور فاسد اجتالته الثقافة الغربية عن فطرة الله، وتصيح أخرى تشغل منصبا ما في قناة عمومية، مُدّعية الغيرة على كرامة المغربيات التي أهانها -بزعمها- التصريح الصادر عن رئيس الحكومة، علماً أن كرامة المغربيات تتعرض للقصف العنيف يوميا انطلاقا من قواعد تلك القناة، بما تبثه من سفالة وإزراء بأخلاق الشعب المغربي بكامله، في خرق سافر لمواثيق الشرف الإعلامية وللضوابط المهنية الخاصة بالقطاع، والتي تنص على احترام ثوابت الأمة وعدم بث ما يخالف الآداب العامة.
إنه التنظير البائس والورع البارد من جهات لا يخفى على المغاربة خطها المناوئ لهويتهم وثقافتهم، وسعيها المتواصل لمحاربة قيم أصيلة مثل العفة، والحياء، وكافة معاني الفضيلة، لحساب البذاءة والخسة وكل مساوئ الأخلاق التي تصر قنوات «الأولى» و«دوزيم» و«ميدي1تيفي» على استيرادها من بلد مثل المكسيك الغارقة في أوحال الرذيلة.
وثالثة الأثافي ذلك الصمت المطبق من مؤسساتنا الشريفة التي عُهِدت إليها أمانة البلاغ والبيان نصحا للأمة وكشفا لمخططات أعدائها الذين يتربصون بدين أبنائها وأخلاقهم، فلا نسمع ركزا للمجالس العلمية المنتشرة على ربوع الوطن، ولا نطمع في مذكرة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بشأن الهجمة الشرسة التي تشنها قنواتنا «الوطنية» على أخلاق المغاربة، وكأن كل العهر الذي يملأ الشاشات على مدار السنة لا يهدد أمننا الروحي، ولا يتنافى مع حياء مالك، أو ورع الأشعري، أو تبتل الجنيد.
ولا أَفضَل -في الختام- من تذكير الغافلين والمستلبين بكون المرأة المسلمة على مدار التاريخ ما حازت العز والشرف إلا في رحاب شريعة اللطيف الخبير، وأن ما تسرب إلى مجتمعاتنا من صور الابتذال والانتهاك لحمى القيم والفضائل الإسلامية تحت مسمى التحديث والعصرنة هو أصل كل بلاء حاق ببنات حواء في زمننا، وأن تكريم المرأة وإيلائها المنزلة اللائقة بها لن يتم بغير مقاربة شاملة يكون الدين أصلا وإطارا لها.
وبين الثريا والمنديل ضاعت كثيرات في سراب أعمال لا تخلو من مساوئ وتداعيات على قيم المجتمع، وتلك قصة أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(*) بحسب تقديرات جمعيات حقوقية مغربية للدفاع عن حقوق المرأة والطفل.