توقير الصحابة رضي الله عنهم من معتقد المغاربة رغم أنوف العلمانيين محمد أبو الفتح

مجلة نيشان، وما أدراك ما مجلة نيشان، إنها مجلة أثبت القائمون عليها -وبجدارة منقطعة النظير- أنهم لا يرجون لله وقارا، ولا يكنون لرسله في صدورهم مقدارا، فلم يسلم من سفههم ربهم فوق عرشه، و لا الملائكة في السماء، ولا الرسل والأنبياء، فكيف ينتظر منهم توقير من هو دون هؤلاء، كأمثال الصحابة الكرام.
وقد رأيت تنبيها على عظيم جرمهم، وسوء ما اقترفت أيديهم أن أبين خطر ذنب من أصغر ذنوبهم – وما هو بصغير- وهو التطاول على أبي هريرة رضي الله عنه فأقول وبالله التوفيق:
إنّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء الثناءُ عليهم في السّنة و القرءان، وجرى مدحُهم على كل لسان، و ملأ حبُّهم كلَّ جنانٍ، ولم يخالف في ذلك إلا أهل الضلال والطغيان، كيف لا؟! وهم الذين “سمحت نفوسهم  صلى الله عليه وسلم بالنفس، والمال، والولد، والأهل، و الدار؛ ففارقوا الأوطان، و قتلوا الآباء والإخوان، و بذلوا النفوس صابرين، وأنفقوا الأموال محتسبين، وناصبوا من ناوأهم متوكّلين، فآثروا رضاءَ الله على الغَناء، و الغربة على الوطن.. هم الذين تولىّ اللهُ شرحَ صدوِرهم، فأنزل السكينة على قلوبهم، وبشّرهم برضوانِه ورحمتِه فقال: “يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ” (التوبة:21)، جعلهم خيرَ أمّة أخرجت للنّاس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويطيعون الله ورسوله؛ فجعلهم مثلاً لأهل التوراة والإنجيل، يرفع الله من أقدارهم؛ إذ أمَر الرّسولَ عليه السلام بمشاورتهم؛ لِمَا عَلِمَ من صِدقهم وصِحَّة إيمانهم، وخَالِص مَوَدَّتِهم، ووُفُور عقلهم، و نَبَالَةِ رأيهِم، وكمالِ نصيحتِهم، وتَبَيُّنِ أمانتِهم  صلى الله عليه وسلم أجمعين” (مقتبس بتصرف من كلام أبي نعيم الأصبهاني في كتابه: الإمامة و الرد على الرافضة ص 209-211).
وإنّ مِمَّا يدلّ على منزلة الصّحابة وعُلُوِّ مكانتهم من الدّين، أنّهم هم الذين بَلَّغونا إيَّاه، فكانوا هم الواسطة بيننا وبين رسول ربنا  صلى الله عليه وسلم، وهل الدِّينُ إلا قرءانٌ و سنة؟! وهل يمكنُ أنْ يبلُغَنَا شيءٌ من ذلك متصلا إلى نبيِّنا من غير طريقِهم؟! فلذلك عُلم أنَّ مَنْ طعن في الصّحابة أو أرادهم بسوء، إنما أراد الإسلام ونبيَّ الإسلام  صلى الله عليه وسلم، فلما عـجز عن ذلك؛ تناولَهم بالسَّب ليعودَ على الدِّين بالبـطلان، كما قال إمامُ دار الهجرة الإمامُ مالك: “إنما هَؤلاءِ أقوامٌ أرادوا القدْحَ في النبيّ  صلى الله عليه وسلم، فلم يُمْكِنْهُمْ ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رَجُلُ سُوءٍ كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابُه صالحين” (الصارم المسلول 3/1088-1089)، و قال رأس أهل السنة في زمانه، أحمد بن حنبل: “إذا رأيتَ أحدًا يذكر أصحابَ رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم بسوءٍ فاتَّهِمْهُ على الإسلام” (الحجة في بيان المحجة لقوام السنة الأصبهاني 2/397)، ولله دَرُّ أبي زرعة الإمام، إذ قال ولَنِعْمَ ما قال: “إذا رأيتَ الرّجلَ ينتقصُ أحدًا من أصحابِ رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم فاعلم أنّه زنديق؛ وذلك أنَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم عندنا حقٌ، والقرءان حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرءان والسنن أصحابُ رسول الله  صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يُجَرِّحُوا شهودَنا ليُبْطِلوا الكتابَ و السّنة، و الجرحُ بهم أولى، وهم زنادقة” (الكفاية في علم الرواية ص: 67).
رحم الله هذا الإمام، فقد بَصَّرنا أنَّ هؤلاء الذين هاجموا الحُرَّاس، إنما أرادوا البيت، فالبيت الإسلام، وحُرَّاسه الصحابة الكرام؛ وبَصَّرنا أن هؤلاء اللِّئام أقبلوا بِمَعَاِولِهِم يحفرون في قواعد البنيان، ِليَخِرّ علينا السقف من فوقنا، فلا تقوم لنا قائمة أبدًا و لا كيانٌ؛ و لَكنْ هَيهاتَ هَيهاتَ!! لا يكون ذلك أبدا والدِّين في صيانةِ الملكِ الدَيََّان.
وما أحسن ما قال أبو العباس القرطبي: “من المعلومِ الذي لا يُشكُّ فيه أنَّ الله تعالى اختار أصحابَ نبيِّه لنبيِّه  صلى الله عليه وسلم، لإقامةِ دينِه؛ فجميع ما نحن فيه من العلومِ، والأعمالِ، والفضائلِ، والأحوالِ، والمتملّكات، والأموالِ، والعِزِّ، والسُّلْطانِ، والدينِ، والإيمانِ، وغير ذلك من النِّعمِ التي لا يُحْصيها لِسانٌ، ولا يَتسِعُ لتقديرها زمانٌ، إنما كان بسببهم؛ ولمَّا كان ذلك وجبَ علينا الاعترافُ بحقوقِهم، والشُّكرُ لهم على عظيمِ أياديهِم، قيامًا بما أوجبهُ الله تعالى من شُكر المُنعمِ، واجتنابًا لما حَرَّمه من كُفران حَقِّه” (المفهم 6/492).
نعم! صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين أدَّوا إلينا الدّينَ كلَّه، دِقَّه وجِلَّه، بهم قام، و به قاموا، و في سبيلِه أُزْهِقَت منهم الأرواحُ، وسُفِكت منهم الدّماءُ، فلم يمت آخرهم حتى بلغ الإسلام الآفاق.
أَفَيَحِقُّ لنا بعد ذلك نَبْزُهُم بِبِنْتِ شَفة؟! وما نحن إلا قطرات من بحاِر حسناتهم، و فتاتٌ من جرابِ زادِهم إلى ربِّهم، من مَعِينِهِم نَرْتَوي، وبآثاِرهم نقتدي، والله لولا الله ثم جهادُهم مع نبيّهم ما تصدقنا ولا صلَّينا، ولا صمنا لله يومًا ولا حججنا، أفيحق لمثلنا أن يتفكَّه بمثلهم؟! قد ضللنا إذا وما نحن من المهتدين، وما قَدَرْنا القوم حقَّ قدِرهم، ولا عرفنا قدرَ أنفسِنا من أنفسِهم؛ إن المتكلم فيهم أعظم جُرما من الذي يغتابُ أمّه، بعدما كان بطنُها له وعاء، وثديُها له سقاء، وكابدت في سبيله البلاء بعد البلاء، حتى إذا اشتدّ عضُدُه، وقَويَ ساعدُه، وأبان عنه لسانه، قال ما قال، ولبئس ما قال؛ فمن أشد لؤما مع الخلق ممن هذا حاله؟ ومن أضل في الناس ممن هذه سبيله؟ فهذا مثل الطاعنين على الصحابة الكرام، و إن فيه لعبرة وذكرى للأنام، “لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” (النحل :60).
إذا ظهر لك أخي القارئ قبح صنيع هؤلاء مع أبي هريرة رضي الله عنه، فماذا عساي أقول لك في تطاولهم على متبوع أبي هريرة عليه الصلاة والسلام، بل وعلى معبود أبي هريرة جل في علاه، يا رب غفرانك!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *