منذ أن فكر كريستوف كولومبس بالإبحار غرباً أواخر القرن الخامس عشر ادعى أمام ملكة إسبانيا «إيزابيلا» أن الذهب الذي سيجلبه سوف يستخدم لتحرير القدس من المسلمين، ولإعادة بناء هيكل اليهود في القدس. وقد دعمت إيزابيلا رحلته التي أدت إلى اكتشاف أمريكا.
وعندما بدأت جحافل الإنكليز تبحر باتجاه أمريكا كمستعمرين في القرن السابع عشر (بعد أن ضعفت هيمنة إسبانيا الكاثوليكية)، كان البروتستانت في طليعة المهاجرين هرباً من الاضطهاد الديني، وطمعاً في الغنى والحياة الأفضل. وهؤلاء البروتستانت الإنجليكان وتفرعاتهم كالمعمدانيين والبيوريتانيون (المتطهرون) حملوا مفاهيمهم إلى أمريكا وكانوا هم المؤسسون للعقلية الأمريكية.
وكانت طائفة المتطهرين مهووسة بفكرة الأمة الطاهرة وبالألفية السعيدة، وكانت حاقدة ومعادية للكاثوليك لأنهم اضطهدوهم في أوروبا. لقد عدوا أنفسهم كاليهود شعب الله المختار وأمريكا هي أرض كنعان، وبالتالي عليهم أن يقضوا على الكنعانيين (الهنود الحمر) لأنهم وثنيون وكما أمرهم ربهم في التوراة، وطائفة المورمون عدت نفسها وهي في الصحراء الأمريكية بأنها بنو إسرائيل في تيه سيناء (قتل المستعمرون الأوروبيون مئة مليون هندي أحمر تحت غطاء الخزعبلات الدينية، بينما الحقيقة قتلوهم ليستعمروا أراضيهم) كان المستعمرون الأوروبيون يجسدون العهد القديم في حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وحتى أسماء أبنائهم وبناتهم، ومستعمراتهم. وكانت العبرية اللغة المقدسة عندهم).
حمل غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الأراضي الأمريكية العقيدة البروتستانتية الأصولية التي كانوا يحاولون تطبيقها في مجتمعاتهم ولم ينجحوا. ومنذ بداية تأسيس الدولة الأمريكية في القرن الـ17 لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية الدولة. وتأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية. وتتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية:
– هيمنة الاتجاه الأصولي على البروتستانتية.
– سيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين.
وفي أربيعينيات القرن الثامن عشر وفي زخم الصحوة الدينية التي شهدتها أمريكا وقتئذ أطلقت المسيحية اليهودية الأمريكية كحركة صهيونية مسيحية سبقت الصهيونية اليهودية التي نشأت في مؤتمر بازل سنة 1897 وأمرت بالاستيطان في فلسطين واحتلالها، ومما جاء في كتاب (المسيح اليهودي ونهاية العالم) هذه المقولة: (…التوراة في المعتقدات الأمريكية هي مصدر الإيمان ولغتها وخيالاتها وتوجيهاتها الأخلاقية وتشكل جزء لا يتجزأ من الشخصية الأمريكية والأنبياء والكفار والملوك والعامة الذين عاشوا في إسرائيل القديمة منذ قرون عديدة وقد نهضوا للقيام بأدوار معاصرة في التاريخ الأمريكي…).
أن دور الكنيسة في الحياة الأمريكية وتأثيرها في الثقافة العامة والسياسات العامة تختلف تماماً عما هي في أوروبا؛ ففي أمريكا ترتدي الكنيسة كساء من نسيج وزخرفة أمريكيين؛ فمثلما يتصف الأمريكي بأنه في حالة تغيير وإصلاح مستمرة، فالكنيسة كذلك أيضاً.
ففي هذا المجتمع الحر والمتعدد المذاهب تجد الكنيسة نفسها أكثر انطلاقاً في التعبير عن نفسها في قضايا المجتمع المختلفة، كما أنها تستخدم نفس الأساليب والوسائل التي تستخدمها المنظمات والمؤسسات غير الدينية للتأثير على السياسات العامة، وبخاصة ممارسة الأساليب المسماة بممارسة الضغط (نظام اللوبيات)، ولا تقف الكنيسة الأمريكية في تحديد إطارها عند مجرد قادتها من رجال دين وأساتذة لاهوت وإداريين ومشرفين أو عند أتباعها، بل هي نظام شمولي الأغراض والنشاطات والعلاقات، ورسالتها الدينية غير منفصلة عن الحياة العامة، وغدت حياتها الداخلية مجتمعاً سياسياً له القوة الاجتماعية الضرورية في صنع القرار السياسي، فهي تزود الناس بالمبادئ والإرشادات لمساعدتهم في اتخاذ قراراتهم، ولكونها منظمة مؤسساتية، فهي تساعد أتباعها ومستمعيها في تنمية تعاطفهم وتعاملهم مع المسائل السياسية.