بعثية النظام
يتميز نظام الحكم في سوريا بكون رأسه، بشار الأسد ذا السبعة والأربعين سنة قياديا في حزب البعث العربي الاشتراكي. وفي 20 يونيو 2000م انتخبه المؤتمر القطري التاسع للحزب أمينًا عامًا للجنة المركزية للحزب.
وقد ارتبط هذا الحزب بشعار القومية العربية فيما يسمى الكفاح من أجل حرية ونضال الجماهير العربية بكافة فئاتها.
وخلاصة هذا الفكر القومي أن اللغة والدم والتاريخ والأرض والهموم العامة المشتركة هي أشياء موجودة قبل الرسل، لذا فإن الأوْلى -من وجهة نظر القوميين- العمل من أجل تنمية الشعور القومي الوحدوي انطلاقًا منها، لا انطلاقًا من مفاهيم الدين الذي هو في نظرهم أَضْيَق حدودًا وأقل انتشارًا من تلك المفاهيم العامة الواسعة الانتشار والأكثر تضامنًا، وأن أخوة الوطن والقومية وأخوة الأرض والجنس والدم مقدمة على أخوة الدين والشرع.
كما يرى أتباع القومية العربية -من وجهة نظر أيديولوجية بحتة- أن عمليات البعث التراثي وتمجيد الفكر القديم المتمثل في إحياء التراث وتنويره أمر غير ذي أهمية، وأن النظر إلى معطيات العصر الحديثة، أو بما يسمى المعاصرة، يجب أن تكون هي نقطة البدء أينما حل الزمان وتجددت العهود، ومن هنا مجد بعضهم الشعار المشهور: الدين لله والوطن للجميع، وهو شعار مشابه للفكرة النصرانية: (ما لقيصر لقيصر وما لله لله). والقارئ لفكرة القومية العربية يجد أنها مرادفة لمصطلح العروبة، فهما وجهان لعملة واحدة حسب التنظير الثقافي المعاصر.
طائفية النظام
وثانية الطوام كون النظام طائفيا تتحكم فيه أقلية نصيرية بغالبية الشعب السني، وقد أضفيت سمات هذه الطائفة على أفعال النظام وتصرفاته؛ فمجمل معتقدات هذه الطائفة معتقدات باطنية تقول أشياء بينما هي تعتقد خلافها؛ وهذا ما نلاحظه في جملة تصريحات أقطاب النظام التي تتشدق بالعداء لأمريكا وإسرائيل، وتتغنى الطبقة السياسية بمناصرة الشعب الفلسطيني؛ بينما ما يتم في الخفاء أمر آخر محصلته سحق المقاومة الفلسطينية والتآمر عليها إلى درجة إبعادها نهائياً عن لبنان وعن حدود الكيان الصهيوني ليبقى في النهاية تمثيل محدود ومسيطر عليه لكوادر تنظيمية لبعض الفصائل. ويكفيك تكذيبا لادعاءاتهم ما مرت به غزة من محنة، لم يستطع نظام الأسد ولا خليله حزب الله، ولا حتى أمهم إيران نصرهم والتدخل لرد العدوان عنهم.
وقد كانت النية المبيتة لدى الجيش السوري تنطلق من اعتقاد بعضهم أنه أقدر على تحقيق أحلام الطائفة في إعادة بناء الدولة النصيرية التي أقامتها لهم فرنسا في محافظة اللاذقية وأعطتهم مسمى (العلويين) بدلاً من (النصيرين)؛ وهو الاسم الذي يحرص النصيريون على التخلص منه لما يحمله من معاني يعرفونها منذ قام النصيريون أيام صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- باغتيال عدد من علماء المسلمين؛ حتى إن صلاح الدين نفسه لم يسلم من محاولات عديدة للاغتيال على أيديهم، ولكن الله سلمه منهم فكان شوكة في حلوقهم وسيفاً بتاراً لمن خلفهم من الصليبيين.
والمتابع لخطابات النظام السوري، يعلم باتهامه الثورة بالطائفية، وهو الوتر الذي حاول بشار أن يعزف عليه لتشويه صورة الثورة، وحقيقة الأمر أن تصريحه إنما صدر عن خلفية خوفه على طائفيته، فالطائفية لم تكن موجودة في سورية من قبل، كما صرح الواوي وغيره بذلك، لكنها وجدت مع وصول حافظ الأسد الى السلطة، كانت كل الطوائف السورية تتعايش مع بعضها وأي مكون آخر من المكونات السورية.
ومع أن السنة هم الغالبية فإنهم لم يمارسوا طوال التاريخ أي نوع من الطائفية على الطوائف الأخرى. لكن عندما وصل حافظ الأسد إلى السلطة جند الطائفة التي ينتمي إليها لخدمة مصالحه. وجعل الغالبية منهم «عيونا» على بقية السوريين الوطنيين في سورية ورفع هذه الطائفة (العلوية) فوق رؤوس الناس.
فالشاب السوري عندما يذهب الى الحربية مثلا يواجه بفرز طائفي. فالأولوية تكون لأبناء اللاذقية التي تضم الطائفة العلوية، ثم طرطوس، وفي آخر القائمة تجيء حلب وحماة وإدلب.
فعصابة السلطة هم من زرعوا الطائفية وخلقها ومارسوها في كل مفاصل الدولة السورية. أما (السنة) فترمى لهم فتات الوظائف.
وقد سعى حافظ الأسد إلى استقطاب الأقليات الأخرى إلى نظامه كي يشكل أغلبية في مواجهة الأغلبية السنية، لكنه لم ينجح، فإنهم جميعا لا يشكلون أكثر من %15 من مكونات الشعب السوري.
والآن يعزف بشار الأسد على نفس النغمة الطائفية.