كيف تعامل العلمانيون مع قرار.. رفع التحفظات عن اتفاقية سيداو!! نبيل غزال

جاء في (تقرير المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم/كوبنهاجن)، (1400هـ -1980م):
“ينبغي دراسة كل ما تبقى من أحكام تشريعية تمييزية في المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وفي قانون العقوبات، والقانون المدني؛ بغية إبطال جميع القوانين والأنظمة التي تميز ضد المرأة، فيما يتصل بالحقوق المتعلقة بالجنسية، والإرث، وحيازة الأملاك والتحكم فيها..” إلخ.

مما يتعين توضيحه؛ أن جل القوانين المناقضة للشرع كانت من مطالب الحركة النسوية اليسارية في المغرب منذ أمد بعيد؛ ونادت به جمعية اتحاد العمل النسائي في ندوة صحافية نظمتها الجمعية بتاريخ 7 مارس 1992، وذلك في إطار ما أسمته: الحملة الوطنية لتغيير مدونة الأحوال الشخصية.

وقد لقي نداؤها الجريء واللامسؤول إنكارا شديدا -آنذاك- من طرف العلماء وبعض الجمعيات الثقافية والحقوقية، الشيء الذي حمل الجمعية المذكورة حينها على التراجع عن مطلبها والاعتذار عنه.
فهل سينح علماء المؤسسات الرسمية نفس منحى أسلافهم؟
أم أنهم سيسلكون مسارا مغايرا؟!
قبل أن يُصدر أي عاقل حكما أو يسجل موقفا حيال خبر استجد أو حادث وقع، ويأرز إلى سوء الظن واتهام الطرف الآخر بتهم جاهزة، فلا بد من وقفة تأني وأخذ فرصة كافية للتفكير.
فما كشف عنه موقع الأمم المتحدة في شهر أبريل الماضي بخصوص رفع المغرب لتحفظاته عن المادتين 9 و16 من اتفاقية سيداو، وأكده الظهير المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 1 شتنبر، فجر نقاشا واسعا حول مخالفة هاتين المادتين لأحكام شريعة الإسلام -الدين الرسمي للبلد-، خاصة أن الرسالة التي وجهتها الحكومة إلى الأمم المتحدة في أبريل المنصرم لم تحدد أية بيانات أو تصريحات تفسيرية من شأنها تحصين وضعية المرأة المغربية المسلمة!
فمعظم الدول العربية تحفظت على هاتين المادتين للسبب نفسه؛ حتى من قطع منها شوطا كبيرا في العلمنة كتونس مثلا.
وقد طارت الجمعيات والحركات العلمانية فرحا بهذا الخبر الذي اعتبرته “سعيدا”! وأكدت أن هذا القرار كان مطلبا لها على الدوام.
ولم تكتف بذلك فحسب بل مارست تعتيما إعلاميا خطيرا، وعملت جاهدة على عدم إثارة هذا الموضوع وإعطائه ما يستحق من العناية والتحليل، وعمدت كعادتها إلى ممارسة الديكتاتورية الإعلامية والإرهاب الفكري، وإقصاء كل الأصوات المخالفة الأخرى؛ واتهامها في نياتها؛ وبإثارة الفتنة واستغلال الدين في السياسة -وكأنها جريمة!-.
واعتبرت خديجة الرويسي رئيسة جمعية بيت الحكمة أن: “الدعوات التي ظهرت مؤخرا من أجل التراجع عن رفع هذه التحفظات لا يجب أن نمنحها أكثر من قيمتها على اعتبار أنها دعوات محدودة جدا، فالمجتمع بأكمله يتجه نحو إرساء ركائز الديمقراطية وبعض الأطراف مازالت تريد أن تبقي المرأة تحت الوصاية، خصوصا أن النساء في وضع تتطلعن فيه إلى مزيد من الحقوق عربيا وعالميا” المشعل ع:293.
وحتى نبصر القارئ الكريم بتصريحات العلمانيين بخصوص رفع المغرب لتحفظاته عن المادتين المذكورتين، ننقل بعض أقوالهم.

فوزية العسولي: رئيسة الرابطة الديموقراطية لحقوق المرأة

ثارت ثائرة العلمانية فوزية العسولي، رئيسة الرابطة الديموقراطية لحقوق المرأة، التي اعتبرت موقف حزب العدالة والتنمية المستنكر لرفع التحفظات عن المادة 9 و16 “استغلالا للدين لتحقيق أهداف سياسية، معتبرة أنه يدعو إلى الفتنة داخل المجتمع، ويحاول تجييش الشارع عن طريق توظيف الدين”.
واعتبرت العسولي أن الحزب يفضل إثارة مواضيع ثانوية عوض الخوض في المشاكل الحقيقية للمواطن المغربي، ويحرص على إثارة الشعور الديني لـ”تغطية عجزه وعدم قدرته على منح برنامج اقتصادي واجتماعي للناخبين من أجل إقناعهم بجدوى برنامجه الانتخابي والتصويت عليه”.
وللتذكير؛ فقد سبق للعسولي أن طالبت بتعطيل نظام الإرث الشرعي بما يجعله يحقق مبدأ المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة؛ لأنه بالنسبة لها يشكل تمييزا ضد المرأة!!
وقد جهرت عسولي بهذا المطلب في ندوة صحافية نظمت في 9 أكتوبر بمناسبة اليوم الوطني للمرأة.
خديجة الرياضي: رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان
كانت خديجة الرياضي -رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- كعادتها جريئة ومتطاولة على المقدسات الدينية؛ حين صرحت بوضوح أن “رفع التحفظات المتعلقة بمواد الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة؛ يشمل المواد: 9و15و16و29 من الاتفاقية، والتي تتعلق بالأهلية القانونية للمرأة ومساواتها في ذلك مع الرجل، والمساواة في كل ما يتعلق بالأحوال الشخصية بين الرجل والمرأة بما في ذلك الإرث، وكذا إمكانية متابعة دولة أجنبية من الموقعين على الاتفاقية للدولة المغربية أمام محكمة العدل الدولية إذا ما حدث خلاف حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية”.
وأضافت قائلة: “يجب على الدولة ملاءمة القوانين التي تنظم هذا المجال ..بالسماح للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم، والمساواة بين الجنسين في الإرث”اهـ. (الجريدة الأولى).
وسبق لعبد الحميد أمين -نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان- أن صرح سابقا دون مواربة: “..أننا في الجمعية نذهب أبعد من ذلك حيث نطالب بتعديل كافة القوانين ومن ضمنها القانون الأسمى الذي هو الدستور، لتصبح منسجمة مع حقوق الإنسان الكونية وهذا ما يسمى بالملاءمة”.

خديجة الرباح: منسقة الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة
أعربت خديجة الرباح منسقة “الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة” أنه: “شيء طبيعي أن يرفع المغرب هذه التحفظات، حتى يمكن له أن يلائم ترسانته القانونية على مستوى قانون الأسرة والجنسية مع القوانين الدولية والدستور الجديد”، وأن “هذه الخطوة ليست مفاجئة، والحركة الحقوقة خاضت من أجلها حملة على مستوى العالم العربي على مستوى العالم العربي انطلقت من الرباط، لتمكين المرأة من هذه الحقوق”.
مضيفة أن “الحزب صوت بنعم على الدستور، وهو على معرفة تامة بمقتضياته ومضامينه الواضحة حول هذا الموضوع”، وانتفضت متسائلة: لماذا كل هذه الضجة؟
خديجة الرويسي: رئيسة جمعية بيت الحكمة
واعتبرت خديجة الرويسي رئيسة جمعية بيت الحكمة أن: “رفع المغرب لهذه التحفظات منسجم مع روح الدستور الجديد وذلك على اعتبار أن الدستور في ديباجته ينص على سمو القوانين الدولية، وأن حقوق الإنسان هي كل لا يتجزأ كما أن المساواة هي إحدى القيم لبناء المجتمع الديمقراطي”. المشعل ع:293.

أحمد عصيد:عضو جمعية بيت الحكمة
كلام الرياضي نفسه أكده العلماني المتطرف أحمد عصيد -عضو جمعية بيت الحكمة- حيث اعتبر أن رفع التحفظات “خطوة في إطار الدستور المعدل الذي ينص على سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية وأن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئ”. الخبر العدد 98.
سعيد الكحل: كويـتب جريدة “الأحداث”
أما صاحب القلم المأجور الذي عهدنا منه دوما الظهور في مثل هاته الأحداث فقد جنح إلى التحليل الماركسي المادي وادعى أن “الأمر لا يتعلق بمصادمة الشرع أو الدفاع عن الشريعة، بل هو الطموح السياسي الذي يجيز لأصحابه الاستغلال السياسوي للدين من أجل كسب أصوات الناخبين وتأمين الارتقاء إلى مراكز القرار”.
و”أن هذه المواقف المتخذة والمعبر عنها لا تنحصر في الطموح السياسي، بل تتجاوزه إلى الكشف عن طبيعة المشروع المجتمعي الذي تحمله هذه الهيئات بعينها وما ستكون عليه أوضاع النساء وحقوق الإنسان إذ لم تقم هذه الهيئات بمراجعات فكرية عميقة تقطع مع فقه البداوة وتنفتح على قيم العصر التي ترفع من قيمة المواطنة وتعتبرها أساس المجتمع الديمقراطي الحداثي”.
هكذا يعتبر الكحل نصوص الكتاب والسنة “فقه بداوة”!!!

تلك كانت جملة من تصريحات العلمانيين بخصوص رفع التحفظات؛ ومنه يتبين لنا أن موقفهم واضح وجلي، فإيمانهم باتفاقيات حقوق الإنسان وما نصت عليه المواثيق الدولية -بغض النظر طبعا عن مواقتها أو مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية- راسخ لا يتبدل، وهم غير مستعدين بتاتا للتخلي عن أي من أحكامها أو بنودها لأنهم دخلوا في العلمانية “كافة”!! ولا يقبلون أبدا الإيمان ببعضها والكفر ببعضها الآخر!! لأن ذلك يمثل بالنسبة لهم “ردة” عن قيم الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان!!!
فهل تمثل هذه الجمعيات والمنظمات العلمانية المشتغلة في بلدنا؛ من خلال الفكر الذي تحمله؛ والهدف الذي تسعى إليه؛ الشعب المغربي أو المرأة المغربية بالذات؟!
هذه الجهات كلها لا تمثل في بلدنا إلا قلة قليلة، والسواد الأعظم من المغاربة يكرهون دعاتها ويرفضون أفكارهم المخالفة لشريعة الله تعالى، إلا أن تمكنهم من وسائل الإعلام؛ وتحكمهم في أغلب القنوات التي يمرر بها الخطاب إلى عموم الناس؛ والدعم الغربي اللامحدود الذي يحظون به؛ يجعل صوتهم مسموعا حتى لا يكاد المغربي المسكين يسمع إلا أصواتهم وتحليلاتهم، ولا يرى في الإعلام إلا صورهم وأجسامهم..!!

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *