إن من أعظم نعم الله على البشرية؛ تنزيل القرآن الحكيم هدى للناس وموعظة وشفاء لما في القلوب من أمراض الشبهات والشهوات.
كتاب أنزله الله على خاتم رسله ليخرج الناس من ظلمات الجهل والحيرة والظلم، إلى نور اليقين والعلم والعدل..
وقد جعل الله اعتصام الأمة بهذا الكتاب مفتاح أجر وضامن هداية:
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء/9]
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به؛ فلن تضلوا بعده أبدا: كتاب الله وسنتي” [رواه مالك اسناده ضعيف لكنه مشهور شهرة يستغنى بها عن الإسناد].
وقد اشتط الفكر والسلوك بفئام من الأمة عن هذا التوجيه الشريف، وتمظهر ذلك في أفكار وتصورات تعطّل دور القرآن في صيانة عز الأمة وبناء مجدها؛ فمن ساجن لأحكامه في زنزانة التاريخانية، ومن متلاعب بدلالاته باسم التأويل وتجديد المقروء وعصرنته، ومن كافر به جاحد لربانية مصدره، ومن ساع إلى قصر تعظيمه على ترداد حروفه مع إهمال تشريعه وتضييع حدوده..
أمشاج ضلالات، وسوءات أفكار تريد تنحية القرآن العظيم من مقام القيادة والتوجيه للأمة، عملا بوصية ذاك المستشرق الحاقد: (إنكم لن تُحكموا سيطرتكم على الأمة الإسلامية حتى تنزعوا الحجاب من رأس المرأة وتغطوا به القرآن)!
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف/8-9]
فما أحوج الأمة في ضوء هذا الكيد البائر، المحاط بتفشي مظاهر الجهل وضعف الإيمان؛ إلى أوبة إلى كتاب الله تدبرا وخشوعا، عملا وخضوعا:
{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر/21]
وها هو ذا الشهر المبارك يبسط موائد القرآن، مقيما مأدبة كريمة، وعرسا بهيجا؛ تتجدد فيه أفراح المؤمنين، وتفتح الأبواب للمذنبين التائبين.
ولو صحت قلوبنا ما شبعت من كلام الله، ولو استقام فكرنا لعلمنا أن أمر القرآن إنما هو كما قال منزله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد/31]
أي: لكان هذا القرآن.
“هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينفع، ولا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع.
قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر و لا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن و قلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فيلتحق بالصفوة.
أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منه الألسنة والأسماع والأبصار أفما لنا فيهم أسوة؟
كما بيننا وبين حال الصفا أبعد مما بيننا وبين الصفا والمروة، كلما حسنت منا الأقوال ساءت الأعمال، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله” .
من هنا جاء هذا الملف؛ تذكيرا بفضل القرآن في شهر نزول القرآن، بارك الله لي ولكم فيه معشر الأخوات والإخوان، وجعلني وإياكم ممن بشروا فيه بالجنان، وأعتقت رقابهم من النيران..
اللهم استجب يا رحمن.