الصورة المشوهة للإسلام في المقررات التعليمية الغربية

قبل الحديث عن عرض الإسلام في المناهج التعليمية الغربية تجدر الإشارة إلى أن هذه المناهج قد تأثرت بشكل مباشر بما خلفته الحركة الاستشراقية من تراث والذي يمتد إلى قرابة قرنين من الزمن، وخلف نحوا من 60.000 كتاب عن الشرق المسلم.

فلم يكلف القوم أنفسهم، مع ادعائهم الموضوعية والتحقيق، التعرف على الإسلام من مصادره الأصلية، وإنما اكتفوا بدراسات غلب عليها التعصب الأعمى، فهي علمية الظاهر، صليبية الباطن، إذ قام بها جيش من القساوسة المتعصبين، يفتقرون إلى حيادية البحث العلمي المزعومة، لا علم لهم بلسان العرب، ولا دراية لهم بعلوم الإسلام دراية ورواية، فليس ثم إلا شبهات استخرجوها بالمناقيش من بطون الكتب، وكثير من دراساتهم ما هو إلا تقرير لشبهات الفرق الضالة التي عكف القوم على كتبهم تحقيقا وإخراجا، مع بتر للنصوص ونقص، بل عدم في استقراء موارد الألفاظ والأدلة، فالإسلام هو: ضلالات الخوارج، وغلو الرافضة، وعقليات المعتزلة، وشطحات الحلاج، واتحاديات ابن عربي وابن الفارض، وأشعار جلال الدين الرومي.
ففي دراسة علمية حديثة أعدها كل من “روس دون” و”سوزان دوكلاس” بعنوان “تفسير الإسلام في المدارس الأمريكية” استعرض الباحثان محتويات ستة كتب تعليمية تعرضت للإسلام ودرست للطلاب من الصف السادس إلى الثاني عشر، وقد أشارت الدراسة إلى أن الطالب فيما سبق كان يتخرج من الدراسة الجامعية لا يعرف شيئا عن الإسلام، إلا أن تحسنا طرأ في هذا الاتجاه بعد تغير في الدستور الأمريكي سنة 1988 الذي سمح بتدريس “الأديان” كافة في المناهج التعليمية فنال الإسلام حظا من ذلك الاهتمام.
ولكن الذي ورد في هذه المناهج الدراسية يثير عجبا حيث قيل:
إن الإسلام نسخة معدلة عن الديانتين اليهودية والنصرانية، وقطعت الصلة بين الإسلام والمسلمين من جهة وبين إبراهيم عليه السلام من جهة أخرى، ثم حملت هذه الكتب على انتشار الإسلام على أساس كونه لم ينتشر إلا بالسيف، وأنه يضطهد غير المسلمين، ويصادر حقوق المرأة، وفي نفس الوقت لا تذكر تلك المناهج عن حضارة الإسلام شيئا.
وقد علق الباحثان على أن هذه الكتب حين تنصف الإسلام فإنها تكتفي بذكر حقائق جافة ولا تعطيها التفسير الصحيح اللائق، حتى إنها تصور عبادات المسلمين على أنها جزء من بقايا الوثنية، وهو ما يتطابق مع كلام المستشرقين القدماء.
وفي دراسة أعدها “مايكل سليمان” أستاذ العلوم السياسية بجامعة كنساس بأمريكا بعنوان: “تأثير المقررات الدراسية الثانوية في تكوين المخيلة الأمريكية لشعوب الشرق الأوسط”، ومن خلال استطلاع إحصائي لآراء الأساتذة والطلاب في المدارس الثانوية في ست ولايات أمريكية، انتهى الباحث إلى أن هذه الشريحة يعبرون عن آراء تعميمية سلبية عدائية عن الإسلام والمسلمين، وقلما يعبرون عن آراء إيجابية.
ونقل في دراسته قول بعضهم في تعريف الإسلام: “إنه دين زائف”، “إنه الإيمان الذي يعوق التفكير الخلاق”..
أما تصور الطلاب عن المسلمين فهو أنهم: “قوم يحبون الحروب بطبيعتهم”، أو “قوم متدينون مخدوعون من رجال الدين”..
كما أشارت الدراسة إلى أن عددا من الأساتذة كان يحمل انطباعا جيدا عن الإسلام وأهله، إلا أن إلمامهم بالإسلام ليس كافيا.
وفي دراسات أخرى عنيت بالمناهج الدراسية الأوروبية في ذات المراحل ظهر أن المناهج في إنجلترا تميل إلى تجاهل المسلمين وتبخيس معطياتهم الحضارية، وأن تحسنا ملحوظا قد بدا في المناهج الفرنسية، في حين أن المناهج الدراسية الألمانية لا تزال مشبعة بنزعة عدائية شديدة تجاه الإسلام وأهله بتأثير التراث الاستشراقي الذي خلفه أمثال “جوزيف شاخت” و”أغوست فيشر” ولوحظ الاستخفاف بالإسلام وتاريخه وثقافته في المناهج البلجيكية، وأما المناهج في كندا فإن سياستها صارمة في هذا الأمر هو الحيادية التامة، فهي تطبق علمانية لا تبيح لمؤلفي الكتب المدرسية أن يتهجموا فيها على أي دين، بما في ذلك الإسلام. (الاسلام في المناهج الغربية المعاصرة، د.محمد وقيع الله ص:69-165، التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية رؤية مستقبلية، د.محمد بن يسري).
فهذه هي مصادر ومناهج القوم التي تشكل تصورهم حول الإسلام، ومن أنصف منهم فاطلع على الإسلام من مصادره الأصلية فأغلب الظن أنه سينضم إلى ركبه، ومن أعمل عقله وأمعن النظر فإنه لا محالة سيراجع أمورا كثيرة كانت عنده من المسلمات.
ففي سنة 1864م وقف الفيلسوف الإنجليزي “توماس كارليل” في جامعة أدنبره العريقة في الدراسات الصليبية، وبالرغم من أنه هاجم القرآن إلا أنه عندما جاء ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لقد أصبح من العار على أي فرد متمدين أن يستمع أو يصدق ما يقال من أن محمداً كان دجالا وكذابا، فكيف بالله عليكم يستطيع الكذاب أن يبني أمة عظيمة تمتد جذورها في هذه المساحة الشاسعة؟ وكيف بالله عليكم للكذاب أن يأتي بكتاب يستطيع أن يسيطر على نفوس وعقول وقلوب معظم سكان الأرض؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *