..بسعي من العلامة محمد بن العربي العلوي السلفي الشهير أصدر علماء القرويين فتوى سنة (1344هـ/1925م) بإدانة مؤلِّف كتاب صلاة الفاتح وإحراق الكتاب، وأصدر السلطان محمد الخامس أمرا بمنع طائفتي عيساوة وحمادشة سنة (1354هـ/1935م) (سل النصال لابن سودة ص 196).
حرص الفاتحون الأولون على غرس بذور المعرفة الإسلامية في كل قطر كانوا يفتحونه، تلك المعرفة التي لم تتجاوز بطبيعة الحال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، إذ هما النواة الأولى التي تفرعت عنها جل معارف المسلمين، والأمة المغربية واحدة من الأمم التي نالت نصيبها من تلك المعارف في تمسك معلن بكتاب الله وسنة نبيه على نهج السلف من الصحابة والتابعين، رغم محاولات يائسة لبعض الفرق المنحرفة كالشيعة والخوارج كي يجدوا لباطلهم مكانا بين المغاربة ولكن دون جدوى ولله الحمد، ليستقر أمرهم فيما بعد على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، فقد ارتضى المغاربة مذهبه في الفقه والعقيدة رغم أنه مشرقي إذ ليس من الجائز أن يكون الإسلام في المشرق غيره في المغرب، والإمام مالك هو أحد أئمة أهل السنة والحديث (السلفيون) فهو رحمه الله لم يكن صوفيا ولا أشعريا بل سنيا سلفيا، نابذا لكل المبتدعات في الدين شاهرا سيف السنة في وجه كل من سولت له نفسه شيئا من ذلك القبيل، كيف لا وهو صاحب المقولة الشهيرة: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا” الاعتصام للشاطبي.
وعلى ذلك درج أتباعه من بعده فهم الذين لزموا مذهبه في سلامة معتقد وحسن إتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومجانبة للابتداع، لأن “مذهب مالك لم يتوطد أمره في هذا العصر كمذهب فقهي فقط ولكن كعقيدة أيضا، فإن التلازم بين طريقته في الفقه والاعتقاد، وهي اتباع السنة ونبذ الرأي والتأويل، مما لا يخفى” النبوغ المغربي للعلامة عبد الله كنون: ص48.
لقد استمر صفاء المعتقد والبعد عن شطط الصوفية في المغرب قرونا بعد ذلك كثيرا، أي طيلة حكم الأدارسة وكذا المرابطين إلى أن “جاء المهدي -ابن تومرت- على إثرهم داعيا إلى الحق! أخذا بمذاهب الأشعرية، ناعيا على أهل المغرب عدولهم عنها إلى تقليد السلف في ترك التأويل..” مقدمة ابن خلدون، ص:198. والحقيقة أنه لم يكن يدعو إلى الحق بل أكره المغاربةَ على ما يعتقده حيث كان يعتبر من لم يعرف العقائد على سبيل التفصيل وعلى طريقة الأشعري بالأخص يعتبره كافرا، ومن ثم لقب أتباعه بالموحدين، فابن تومرت “استحل دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية الذين كانوا من أهل الكتاب والسنة على مذهب الإمام مالك وأهل المدينة يقرءون القرآن والحديث” مسألة في المرشدة لابن تيمية، ص:22، ولم يزل بهم حتى (وقع تحول أهل فاس من المذهب السلفي في العقيدة إلى المذهب الأشعري” النبوغ المغربي، ص:121.
ولأن المذهب السلفي هو المذهب الحق، إذ هو مذهب الصحابة والتابعين وأتباعهم من الأئمة المهديين أرباب المذاهب الفقهية وأئمة الحديث، فقد استمر في التمسك به والدفاع عنه طائفة من أهل العلم والفضل عبر التاريخ، سنعرض لجملة منهم مع التعريج على بعض مواقفهم، ليعلم القارئ الكريم أن السلفية هي الأصل في المغرب وأنها لا تتنافى مع المذهب المالكي في شيء بل هي لبه، وليعلم أيضا أن السلفية ظلت صامدة رغم محاولة الاستئصال الأولى في العهد الموحدي، وستبقى بإذن الله صامدة رغم محاولة الاستئصال الثانية لكونها متجذرة في نفوس المغاربة وجزء من تاريخهم وهويتهم.
فقد كان لعدد من علماء المغرب وملوكه مواقف مشرفة في نصرتها امتدت إلى وقتنا الحاضر فألف محمد بن الحاج الفاسي (ت:737هـ) كتاب المدخل أتى فيه على جملة من البدع التي أحدثها متصوفة المغرب، وكان السلطان محمد بن عبد الله العلوي “يحض الناس على مذهب السلف من الاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل” (الاستقصاء 8/68)، وكان يحث في الأوامر التي يصدرها بشأن تنظيم الدراسة في القرويين “على عقيدة ابن أبي زيد القيرواني التي ضمنها رسالته المعروفة، وهي عقيدة سلفية خالية من التأويل الذي يجنح إليه الأشاعرة” (النبوغ المغربي ص 276).
كما أن ابنه السلطان سليمان العلوي أصدر مرسوما أبطل فيه الاحتفال بالمواسم التي لم تعرف في المغرب إلا في العصور المتأخرة، (أنظره في الترجمانة الكبرى لأبي القاسم الزياني: ص 466) ومنه قوله: “فمن المنقول على الملل، والمشهور في الأواخر والأوائل، أن البدع والمناكر إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات ووقعت فيهم المثلات، وشحت السماء، وسبحت النقماء، وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع ونقصت بركة الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح باب الشدائد ويسد باب الفوائد”.
وبسعي من العلامة محمد بن العربي العلوي السلفي الشهير أصدر علماء القرويين فتوى سنة (1344هـ) بإدانة مؤلِّف كتاب صلاة الفاتح وإحراق الكتاب، وأصدر السلطان محمد الخامس أمرا بمنع طائفتي عيساوة وحمادشة سنة (1354هـ) (سل النصال لابن سودة ص 196).
والمجالس السلطانية التي كانت تعقد في عهده كان يديرها السلفيون يتقدمهم العلامة أبي شعيب الدكالي، والذين أسسوا الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار هم السلفيون، وكذا جل العلماء الأفاضل مؤسسي رابطة علماء المغرب هم سلفيون، وعلى هذا النهج درج أبناء دور القران والمؤسسين لها وكذا ثلة من العلماء العاملين في كل ربوع المغرب لا تكاد تخلوا منهم جهة أو إقليم، اختاروا السير على نهج سلفهم في خطاً حثيثة مسالمة، وسعي دؤوب لإيجاد حركةٍ علميةٍ يتحقق معها مواصلة مسيرة الإبداع إحياء وتجديدا لمعالم الدين .