قمة “شرم الشيخ” واجتماع القدس تكريس للتحالف الصهيوني-الأوروبي على قطاع غزة نبيل غزال

“ساركوزي”:
– نحن سعيدون فأنتم أصدقاؤنا فأنتم أمة ديمقراطية والأمر يتعلق بكم.
– أنتم تفهمون ليست لنا دروس نقدمها لإسرائيل وإنما هذا فقط من باب الصداقة والصراحة.
– لدينا الثقة أنه ليس ثمة خيارات أخرى إن أوروبا مقررة بشأن هذا الأمر، نحن مع “مركل” و”كولدن براون” أرسلنا رسالة لنقول لكم بأننا مستعدون أن نقدم المساعدة من أجل منع تهريب الأسلحة عبر البحر إلى غزة.

رغم الدعم الذي قدمته الحكومة المصرية -امتثالا لاتفاقية السلام- للاحتلال الصهيوني والمتمثل في إغلاقها معبر رفح قبل العدوان البربري على قطاع غزة وبعده، أبى الصهاينة -كعادتهم- إلا توجيه طعنتين في الظهر للحكومة المصرية: الأولى حين حلت “تسيبي ليفني” في مصر ليلة بدأ العدوان على غزة، والثانية حين أهملت وزيرة الخارجية للكيان الصهيوني نفسها مصر وأبرمت مع نظيرتها الأمريكية “رايس” اتفاقية تمنع تهريب السلاح إلى غزة عن طريق البحر، وتدارس إمكانية تشكيل قوات دولية تنتشر في الشريط الحدودي الفاصل بينها وبين مصر تعمل على منع تهريب السلاح إلى المقاومة الفلسطينية في القطاع، عندها فقط ارتفعت أصوات الحكومة المصرية وانطلقت حنجرة وزير الخارجية المصري أبي الغيط منددة بالعدوان السافر على قطاع غزة، واصفا الكيان الصهيوني بالعقبة الرئيسة أمام الجهود المصرية للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، ومتهما إياه بالشرب من خمر القوة والعنف.

ومنه دعا الرئيس مبارك إلى عقد قمة دولية طارئة في منتجع شرم الشيخ شارك فيها زعماء ست دول أوروبية إضافة إلى الأردن والسلطة الفلسطينية وتركيا والأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية.
وقبل انعقاد قمة شرم الشيخ الدولية بساعات قليلة أعلن رئيس الوزراء الصهيوني “إيهود أولمرت” عن وقف أحادي الجانب لإطلاق النار في غزة اعتباراً من فجر الأحد 17 يناير، وذلك قبل إصدار أي طرف -أيا كان اتجاهه- قرارات تلزم الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار، حرصا من الصهاينة على الحفاظ على هيبتهم وجبروتهم، وتذكيرا للعالم أن دولتهم تأمر ولا تؤمر.

هدف القمة هو تأمين أمن الكيان الصهيوني، ولا عبرة بأرواح آلاف المسلمين
رغم محاولة الرئيس مبارك التودد للرئيس الفرنسي “ساركوزي” وإظهار تقديره وامتنانه لدوره البارز واتصالاته الهامة دعما لجهود مصر ومبادرتها، إلى درجة وصفه بـ: “صديقي العزيز ساركوزي” إلا أن هذا الأخير أبا إلا التمييز بين الخطابين الذين ألقاهما في كل من مصر والقدس، فمصر بالنسبة له ولأمثاله واجبها هو امتثال الأمر الأوروبي-الأمريكي والعمل على تنفيذ مخططاتهما، والإبقاء على اتفاقية السلام حية، لذا وصفها “ساركوزي” بقوله:
– مصر تحملت مسؤولياتها وراء الرئيس مبارك..
– مصر انتقدت ولكن مصر اشتغلت جيدا، وإذا لم تكن مصر لم نستطع إيقاف الحرب.
وحين اتجه إلى الضفة الأخرى، عند الجلاد الصهيوني اختلفت لغة الخطاب تماما، فهناك ردَّ “ساركوزي” على ثناء مبارك ووصِفه له بـ”صديقي العزيز” مبينا من هم أصدقاؤه، قائلا:
– نحن سعيدون فأنتم أصدقاؤنا فأنتم أمة ديمقراطية والأمر يتعلق بكم.
– لدينا الثقة أنه ليس ثمة خيارات أخرى إن أوروبا مقررة بشأن هذا الأمر، نحن مع “مركل” و”كولدن براون” أرسلنا رسالة لنقول لكم بأننا مستعدون أن نقدم المساعدة من أجل منع تهريب الأسلحة عبر البحر إلى غزة.
– أنتم تفهمون ليست لنا دروس نقدمها لإسرائيل وإنما هذا فقط من باب الصداقة والصراحة.
من خلال ما أدلى به الرئيس الفرنسي في كل من قمتي شرم الشيخ والقدس يتبين أن هروع قادة الدول الست إلى البحث عن تحقيق وقف مستمر لإطلاق النار وتحقيق الأمن والسلام إنما هو في الحقيقة بحث عن أمن وسلام الكيان الصهيوني، فأولئك القادة أنفسهم ما فتئوا يؤيدون الحرب على البلدان الإسلامية ويعتبرون أي مقاومة إسلامية إرهابا.
فلقد ظن من لا يعرف حقيقة السياسة الغربية أن قادة الدول الأوروبية الست الذين اجتمعوا في قمة القدس كان هدفهم توبيخ قادة الكيان الصهيوني عن الجرائم والمحرقة البشعة التي اقترفوها في قطاع غزة، ومطالبتهم بامتثال واحترام قرارات مجلس الأمن، ومساءلتهم عن استعمال أسلحة محرمة دوليا واستهدافهم للأطفال الأبرياء والنساء والشيوخ ورجال الإسعاف.. وقصفهم المدارس والمستشفيات.. وتحميلهم نفقات الحرب الهمجية بتعويض الضحايا وإعادة بناء وإعمار قطاع غزة، لكن ما وقع خلاف ذلك تماما، فقد اتجه مجلس الحرب إلى دولة الكيان الصهيوني ليبارك عملها، وليمدها بالدعم التكنولوجي واللوجستيكي للحيلولة دون مرور الأسلحة إلى قطاع غزة وإلى المقاومة الإرهابية! إتماما للعمل العسكري الذي رام القضاء على المقاومة الإسلامية، أما الأرواح المسلمة التي أزهقت بالآلاف فلا اعتبار لها، ولا مجال للحديث عنها في مثل هذه المجالس.
إن الوجوه التي حضرت اجتماع القدس كلها تؤيد الخط الأمريكي والكيان الصهيوني بالكامل، وتؤيد عملية ما يسمى بتصفية الإرهاب/المقاومة، وستكون الحجة القادمة للإجهاز على المقاومة الإسلامية هي منع تهريب السلاح، ومن هنا الحصار الأطلسي القادم هو بمثابة حرب جديدة ستتخذ أساليب أخرى، تتدخل فيها قوات أطلسية تحاصر منطقة شرق البحر المتوسط، ومنطقة سيناء والبحر الأحمر بالكامل حتى خليج عدن واحتمال أن تمتد إلى الخليج العربي ومضيق هرمز، فالمعركة القادمة أوسع بكثير من الحرب على فلسطين، ولكن سيتخذ من فلسطين ركيزة الحرب القادمة.
لقد أضحى التواطؤ الصهيوني-الأمريكي-الأوروبي على الأمة الإسلامية وقضاياها المصيرية أمرا مكشوفا، ولم تعد حتى خطابات زعماء الغرب تراعي شعور ملايين المسلمين وأحاسيسهم، بل على العكس من ذلك تماما أصبحت تبدي انحيازها التام للصهاينة باعتبارهم دولة الديمقراطية!
فمتى ندرك أهمية وحدة الصف المسلم، ومتى ندرك أن عزنا ومجدنا ليس في الالتفات إلى الشرق أو الغرب وإنما هو في اتباع تعاليم ديننا الحنيف الذي أمرنا بالاتفاق ونهانا عن الافتراق قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وحبل الله القرآن، وحذرنا من المشركين وكيدهم فقال سبحانه: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ}، وبين لنا بجلاء أن طريق العز والتمكين في اتباع سنن المرسلين فقال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.
ومتى يدرك الساسة والنخبة المعلمنة رغم كل الحقائق أن الغرب بمؤسساته ومنظماته لن يكون في يوم من الأيام حليفا لنا عاملا لمصالحنا، وأن حقوقنا لن نستردها عن طريق السلام الذي يتشدق به قادة الغرب في الوقت الذي يضغطون فيه على الزناد لقتل الأطفال والنساء والشيوخ في العراق وأفغانستان وغزة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *