قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء).
لقد ظلت الغربة في الدين في أذهاننا مرتبطة بالأقليات المسلمة في بلاد الغرب، حيث تجد قلة مسلمة مستضعفة غير قادرة على إبداء شعائر دينها وسط هذه الأمم.
ومع تعاقب الأزمان، وتقلب المفاهيم، واختلال الموازين، أصبحت الغربة لصيقة بالمسلمين في أوطانهم، بعدما قطع غيرنا أشواطا كبيرة في مجال الحريات وحقوق الإنسان.
ومن هذه الغربة ما نزل على قلوبنا كالصاعقة من خبر إغلاق دور القرآن من جديد، فما إن استبشر المسلمون خيرا بعودة هذه الدور المباركة، التي تعنى بكتاب الله عز وجل حفظا وتجويدا وتدبرا وفهما، وبعلوم شريعتنا المطهرة بمنهج وسطي معتدل. حتى قررت الوزارة الوصية إغلاقها بدعاوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان.
وحدث الإغلاق هذا درس في حد ذاته، يكشف المستور، ويجلي المطمور، ويفضح المسكوت عنه. ولا ينبغي أن يمر علينا هكذا دون استفادة الدروس والعبر.
1- الصراع بين الحق والباطل:
إن الصراع بين الحق والباطل، والخير والشر، صراع قديم قدم الزمان، فمنذ أن خلق الله آدم، وأمر إبليس بالسجود له أبى اللعين واستكبر، قال تعالى{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
ومن ثم حمل على عاتقه مسؤولية إغواء بني آدم فما كان منه إلا أن أخرج آدم -عليه السلام- وزوجه من الجنة، وتفرغ لبنيه من بعده، وأقسم بعزة الله ليغوين الناس أجمعين إلا عباد الله المخلصين، و{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}.
فإبليس الذي يمثل الباطل جالس في كل طرق الخير، وله أعوان على ذلك، لا ضير إذا كانوا من بني جنسه. أما المصيبة العظمى أن تجدهم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ويمثلون هذا المحور.
ومن تجليات هذا الصراع الحرب التي تخاض ضد كل ما هو إسلامي، وباسم الإسلام نفسه.
ولكن الباطل لا يلبث أن يصمد أمام الحق المجلجل، {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُو زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}.
2- وقفة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية:
تعتبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الوزارة المسؤولة عن الذود عن هذا الدين وإرساء ثوابته ومقدساته –أو يفترض فيها- أن تكون كذلك.
بينما هي ما فتئت تحارب أهله، وتضيق الخناق عليهم.
وراعي الشاة يحمي الذئب عنها — فكيف إذا الرعاة لها الذئاب
بالأمس القريب طلعت علينا الوزارة المحترمة بتوقيف إمام وخطيب لانتقاده مهرجان “موازين”، متذرعة بمخالفته لقانون الوصاية على الأئمة والخطباء.
ما لكم كيف تحكمون؟
فمن أنيطت به مهمة الحفاظ على ثوابت الأمة المغربية المسلمة، هو من يلزمه أن ينادي بمنع مثل هذه المهرجانات التي تنشر الفاحشة وتطبعها في المجتمع، وترسم للشباب نماذج وقدوات غربية ذات دين وثقافة مناقضة تماما لديننا وثقافتنا، إضافة إلى ما تعرفه هذه المهرجانات من سلوكات شاذة وتبذير للمال في اللهو والرقص والغناء، مع العلم أن مجتمعنا يتخبط في العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والقيمية الخطيرة جدا، لكن الوزارة الوصية بدل أن تحارب هذا النوع من الفساد تعلن الحرب على من يحارب الفساد المتفق عليه.
واليوم تقدم على أشنع من ذلك وأبشع، إنه الأمر بإغلاق دور القرآن التي ما زال المترددون عليها لم يتذوقوا حلاوة فتحها بعد، بدعوى “تدريس القراءات القرآنية” ونعم بها من تهمة.
فالجد الجد، والبدار البدار، قبل فوات الأوان لتصحيح المسار وتصويب فواهة البندقية للعدو بذل الصديق.
فمن يدرس القرآن الكريم ويعتني به، حقه التكريم والتشريف، لا الإهمال والتحقير.
3- لنحاسب أنفسنا:
دار القرآن نعمة من نعم الله عز وجل علينا، والقاعدة في النعم جميعها أنها إن شكرت قرت وإن كفرت فرت، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}.
وقال تعالى: { إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
فدار القرآن عندما تفتح فرصة يجب استغلالها في الطلب والتحصيل، بهمم عالية ونوايا صادقة وانقطاع.
وهل أفسد الدين إلا بنوه، وأخشى أن نكون نحن من أساء لهذا المنهج السمح، حتى انهالت عليه السهام من كل حدب وصوب.
ليقف كل واحد منا مع نفسه وقفة صادقة، ماذا قدمنا للمنهج السلفي؟ ألسنا نحن من شوه سمعته؟ وغيرنا معالمه؟
وكلها تساؤلات مشروعة لمن رام الإصلاح، وأراد التغيير.
وأنا لا أتهم أحدا {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
4- لماذا إغلاق دور القرآن قبل شهر القرآن:
يتساءل العديد من الناس عن التوقيت الذي صدرت فيه هذه المذكرة، وخاصة ونحن مقبلون على شهر رمضان الكريم، شهر القرآن الذي يظهر جانبا من إشعاع هذه الدور المباركة في التراويح، حيث الأصوات الندية والتلاوات الشجية من صناعة هذه الدور المباركة.
وهنا أيضا كان حريا بالوزارة الوصية على الشأن الديني أن تشجع هذه الدور لما تقوم به من نشاط فعال في التربية والتوجيه الإسلامي، بذل محاربتها والأمر بإغلاقها.
فلمصلحة من يا ترى أغلقت هذه الدور؟ ومن المستفيد؟
وفي الختام ينبغي أن نقف وقفة واحدة وبصوت واحد ونعلنها مدوية في وجه الجميع: (لا لإغلاق دور القرآن الكريم).