لا يمكننا الحديث عن علو الهمة في باب الصلاة وغيرها، دون الحديث ابتداء عن علو همة سيد العابدين بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم، فقد كانت الصلاة أنسه وميدانه، وروحه وريحانه، ونزهته وبستانه، ونعيمه وعنوانه، وكان ينادي بلالا: “يا بلال، أقم الصلاة، أرحنا بها” (صحيح الجامع:7669)، وقد جعلت قرة عينه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر فزع للصلاة. (صحيح الجامع:4703).
ويحكي لنا الناسك العابد عبد الله بن مسعود عن طول صلاته قائلا: “صليت مع رسول الله فأطال، حتى هممت بأمر سوء، قال: قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه”. البخاري ومسلم.
وقد سار على هديه من بعده سلفنا الصالح فكانوا شامة بين الخلائق، ونصبوا أبدانهم لخدمة مولاهم.. وكابدوا العبادة حتى استمتعوا بها.
يقول ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة واستمتعت بها عشرين سنة.
وقال أحد العباد: ما سمعت النداء إلا تذكرت هول النداء بالعرض على الله يوم القيامة.
ويقول محمد الحمصي: رأيت ابن أبي الحواري فلما صلى قام يصلي فاستفتح بـ(الحمد لله) إلى (إياك نعبد وإياك نستعين) فطفت حول الكعبة كلها ثم رجعت فإذا هو لم يتجاوزها فلم يزل يرددها حتى الصبح.
وهذا حاتم الأصم لما سئل عن صلاته قال: أقوم إلى صلاتي وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي.
وكان إبراهيم يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض.
وتزوج الحارث بن حسان وكان له صحبة فقيل: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة -أي أنها ليلة زواجه-، فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء.
وقال أبو الدرداء في مرضه الذي مات فيه: اسمعوا وبلّغوا من خلفكم: حافظوا على هاتين الصلاتين العشاء والصبح ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حبواً على مرافقكم وركبكم.
وقال سفيان بن عيينة: لا تكن مثل عبد سوء لا يأتي حتى يدعى.. ائت الصلاة قبل النداء.
وقال مالك: كان عبيد الله بن عتبة يطول الصلاة ولا يعجل عنها لأحد.
وكان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فقيل له في ذلك فقال: تدرون بين يدي من أقوم.. ومن أناجي.
وقال إبراهيم التيمي: إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى.. فاغسل يدك منه.
و كانت أم منصور تقول لمنصور: إن لعينيك عليك حقا ولجسمك عليك حقا فكان يقول لها: دعي عنك منصوراً فإن بين النفختين نوماً طويلاً.
وقال الأوزاعي رحمه الله: من أطال قيام الليل هوّن الله عليه وقوف يوم القيامة.
وقال محمد الصوري: كان سعيد إذا فاتته صلاة الجماعة بكى.
وقال الحسين: تزوج عثمان بن أبي العاص امرأة من نساء عمر بن الخطاب فقال: والله ما نكحتها رغبة في مال ولا ولد.. ولكني أحببت أن تخبرني عن ليل عمر.
وقال عمر بن الخطاب لمعاوية بن خديج: لئن نمت بالنهار لأضيعن رعيتي.. ولأن نمت بالليل لأضيعن نفسي.. فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟!
قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعاً.. فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل على أثلاث يصلي هذا ثم يوقظ هذا.
بكى الباكون للرحمن ليلا وباتوا دمعهم لا يسأمونا
بقاع الأرض من شوق إليهم تحن متى عليها يسجدونا
اللهم اجعلنا من المصلين العابدين الذاكرين واحشرنا مع إمام المصلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. (انظر صلاح الأمة في علو الهمة، للدكتور سيد العفاني 2/317..).