إذا كان المغرب هو ذلك البلد المسحور كما شهد بذلك “ديلكاسيه” و”هانتو” الذي بقيت حدوده مغلقة طيلة خمسين سنة أمام محاولة الفرنسيين، والإنجليز، والأسبان، والإيطاليين، والألمان وغيرهم من قوى الشر التي غزت العالم.
وما هذا الصمود المغربي أمام هذه الأمواج الإحتلالية، الاستغلالية، الاستنزافية، إلا لأنه قد وجد رجالا في ذلك الزمان قاوموا الاحتلال وحاربوه ودحروه في أكثر من موقعة.
إنه مغرب الشموخ، مغرب العزة، مغرب العلماء الذين أعلنوا الجهاد ضد العدو الغاصب هذه الكلمة التي يتقزز من ذكرها العلمانيون اليوم، ويتهمون كل من ذكرها بالتطرف والإرهاب ناسين أو متناسين أن ما حرر هذه البلاد إلا الجهاد.
الجهاد الذي كانت فرنسا تحسب للإعلان عنه ألف حساب، لأنها كانت تعرف بواسطة جواسيسها الذين اندسوا عسكريين ومدنيين، مدى استجابة الشعب لنداء الجهاد إن هو وجد القائد الرائد، وهذا ما كان أيضا يدرك أبعاده دعاة البيعة للمولى عبد الحفيظ آنذاك.
إنه مغرب المولى الحسن الأول، الملك الذي مات على صهوة جواده لنصرة أبناء شعبه وتحديا للعدو الفرنسي.
إنه مغرب أحماد بن موسى الرجل الذي سحق الثورات الداخلية، والذي مكن للدولة وأرعب الاستعمار بوطنية صادقة ووفاء أصدق، واستعاد الأماكن المحتلة من الجنوب الغربي بواسطة الأسبان والإنجليز كرأس جوبي وسانتاكروز.
إنه الرجل الذي أعطى صورة للأجانب أن المغرب إن وجد الحاكم الصالح فإنه لا يعرف التمزق أبدا، كما أنه التفت إلى أصحاب الحمايات فعاملهم بما يليق بهم من شدة دون أن ينتج عن ذلك ما يزعج.
إنه مغرب أحمد بن محمد بن لحسن السبعي الصغروشني الحسني الرجل الذي قضى أكثر من ثلثي حياته في الجهاد منذ 1870م إلى أن توفي رحمه الله سنة 1916م، الرجل الذي مرغ أنف فرنسا في التراب في معركة لمنابهة، وبوذنيب 13-23 ماي 1908م حيث قتل من الفرنسيين حوالي 700 جندي وضابط وغنم سلاحهم، وإثرها تراجع الفرنسيون عن بوذنيب نفسه.
إنه مغرب السلطان المفترى عليه المولى عبد العزيز، والسلطان المتهم بالماسونية المولى عبد الحفيظ، والفقيه عبد الكريم الخطابي -والد محمد بن عبد الكريم الخطابي صاحب معركة أنوال-، ومحمد بن السيد حدو العزوزي، والشريف محمد أمزيان، والشريف أحمد الريسوني، ومحمد العربي طريس، وغيرهم كثير رجال جاهدوا وناضلوا في سبيل الحفاظ على بيضة الدين ووحدة الوطن.
وعلى الرغم من وجود كل هؤلاء المصلحين إلا أن المغرب سقط في براثن الاحتلال ووقع المولى عبد الحفيط عقد الحماية مكرها بتاريخ 30/3/1912 لأنه طعن من الخلف بأيدي المحميين من جهة، وبيد ثلة من الخونة.
والذين يبوؤون بإثم دخول الاحتلال هم أولئك الطغمة الفاسدة التي منها عبد الكريم ابن سليمان، والعباس الفاسي، وعبد الله الفاسي، ومحمد المقري، وعمر التازي الأقرع، والبغدادي، وغريط، وكاباص (الجباص)، والتهامي الكرلاوي، وحمو الكلاوي، والجاسوس محمد أوفقير، وابن غبريط وصنعة الاحتلال الجيلالي الزرهوني (أبو حمارة) الفتان الذي كونته فرنسا وسلحته ثم مدته بالمال لتجعل منه وسيلة أقرب للقضاء على كل إمكانات الدولة، والمهدي بن العربي لمنبهي المختلس الذي ظهرت عليه أموال القرض الإنجليزي المسروقة بطريقة مفضوحة في مدينة طنجة بعدما أصبح من المحميين الإنجليز، لكنها وبلا شك كانت تنغص عليه حياته كلما تذكر ما فعل وما قدم من سيء الأعمال ضد المغرب والمغاربة الذين قتل منهم المآت في مدينة تازة مما سيبقى عالقا به وبرفيقه إدريس بن يعيش إلى يوم الوقوف بين يدي الله، وغير هؤلاء الخونة كثير.
ولأن الأمة التي لا تعرف ماضيها تتمزق في حاضرها وتعرف الذل والتحقير والبخس والإهانة في مستقبلها -كما يقول الأستاذ عبد الكريم الفيلالي-، ولتعريف الأجيال الصاعدة ببعض ما عاشه آباؤهم من أحداث لا زالت تداعياتها تؤثر على الواقع الراهن للمغاربة على كل المستويات، ارتأت السبيل أن تعد ملفا في هذا الموضوع.