شرور وأخطار المواءمة بين الرؤيتين الغربية والإسلامية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان

تتجلى لنا المخاطر والمحاذير من التعاطي مع المرجعية الغربية لحقوق الإنسان على النحو الذي: إما أن يرفعها إلى مرتبة التقديس (الرؤية العلمانية العربية التي تعتقد «كمال» الغرب و«عصمته»، لتفوقه المادي والعسكري على العرب والمسلمين، وإما مواءمة المفاهيم الإسلامية في ذلك الشأن مع الطرح الغربي لحقوق الإنسان (الاتجاهات التوفيقية داخل التيار الإسلامي التي تجتهد في إطار المواءمة بين الوافد والموروث). ولعل المنحى الأخير يعد أكثر الخيارين خطراً على نقاء وصفاء البنية العقدية والفكرية للإنسان المسلم.

فالأول صادر عن التيار التغريبي الذي يستدعي مجرد ذكر اسمه معاني الشكوك والريبة في روع الإنسان المسلم بسبب الارتباط الروحي والنفسي والفكري لهذا التيار بالغرب؛ ولهذا السبب فهو أقل خطراً من الثاني الذي يتحدث باسم الإسلام، إذ لوحظ أن كثيراً من «الاجتهادات» التي تصدر بدعوى «تطوير الفقه» تارة وباسم «التنوير» تارة أخرى من داخل هذا التيار التوفيقي (أو التلفيقي) -كما يطلق عليه منتقدوه-، قد دأبت على القيام بعمليات مواءمة بين مفاهيم إسلامية وبين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ما يعني أن تلك الاجتهادات تستبطن بلا وعي منها الطرح الغربي لحقوق الإنسان، وتعتقد اعتقاداً خفياً بثباته وعصمته، وهو منحى قد ورط أصحابه بالفعل في تقديم سلسلة من التنازلات على حساب دينهم ابتغاء مرضاة الغرب أو أذياله من العلمانيين أو اللادينيين في العالمين العربي والإسلامي، أو ابتغاء التجمل بمظاهر الحداثة والاستنارة، ولقد بلغ الأمر بأحدهم، أن زعم بأن شهادة الرجل لا تعدل شهادة امرأتين إلا في حال إثبات واقعة الزنى فحسب!
وزعم أيضاً أنه ليس في كل حالات الميراث يكون «للذكر مثل حظ الأنثيين»، وأنه -بحسب زعمه- في حالات أخرى يتساوى حظ الأنثى مع حظ الذكر. وأن الأولى قد تفوق حظ الأخير في حالات لم يسمها أيضاً..!!
ولبيان ما سوف تجلبه المواءمة على المسلمين من شرور، ومعصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فلنتأمل هذين المثالين:
الأول: تقر وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن من «الحق الإنساني» للمرأة أياً كان دينها أن تتزوج ممن تحب بغض النظر عن دين الزوج. ونظير ذلك فإن الإسلام يحرم على المرأة المسلمة الزواج من الرجل الكتابي (نصرانياً كان أو يهودياً)، أو من غير المسلم بصفة عامة، ومن ثم فإن هذا التحريم يعتبره «الإعلان العالمي» والغرب من ورائه «تعدياً» على أحد الحقوق الإنسانية للمرأة المسلمة!!
المثال الثاني: في مسألة تزويج الإناث، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يعتد بأية شروط في هذه المسألة، ويعطي للمرأة الحق في تزويج نفسها بنفسها دون اشتراط الولي لصحة عقد الزواج، ومن ثم وبغض النظر عن الخلاف الفقهي بين الجمهور والأحناف في هذه المسألة فإن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»، وقوله: «أيما امرأة نكحت (أي تزوجت) بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له» [رواه الخمسة إلا النسائي]، سيعتبر هذا الحديث الشريف -من وجهة نظر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- إكراها وتعدياً على حرية المرأة، وعلى حق من حقوقها الإنسانية حال إقدامها على الزواج!!
ولعلنا نتساءل الآن: كيف يمكن المواءمة بين الرؤيتين (الغربية والإسلامية) في المثالين المشار إليهما قبل قليل؟!
إن المواءمة هنا مسألة بالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة، إنها تضعنا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التمسك بثوابتنا الدينية، وإما التخلي عنها نزولاً على ما يراه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولذا فإن قولنا بأن هذه القضية تحتاج إلى ما يشبه المفاصلة لم يكن مشوباً بالمبالغة أو بالشطط، وإنما كان من أجل ضبط موقفنا من المرجعية الغربية في ذلك الشأن؛ فمن الثابت بالنسبة لنا نحن المسلمين أن المرجعية العليا والمهيمنة على ما عداها من المرجعيات، ولها سلطة الأمر والنهي، ولا نعصي لها أمراً، ولا نقبل بأي حال من الأحوال أن تكون موضوعاً للمواءمة أو التسوية السياسية أو الفكرية مع الغرب هي كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا قالت الآية: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (النساء: 11) فلا خيار لنا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا امتثالاً لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً} (الأحزاب: 36).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *