أسباب الإلحاد في العالم العربي

وفق بحث أعده د. هشام عزمي بعنوان (الإلحاد وأسبابه في العالم العربي) والذي جمع فيه خلاصة ما قيل حول مسببات الإلحاد، يمكن تقسيم أسباب وقوعه بين الشباب العربي إلى ثلاث محاور كبرى:

أولاً: الأسباب الشخصية
وهي التي تعود إلى الشخص نفسه، ويمكن تقسيمها إلى أسباب نفسية وأسباب فكرية، لكن مراعاة لعدم المبالغة في التقسيم سنذكرها مجموعة تحت تقسيم واحد.
1- الثقة الزائدة بالنفس والغرور المعرفي
بعض الشباب عنده ثقة زائدة بإيمانه وصحة اعتقاده، وفي كثيرٍ من الأحيان يكون هذا الإيمان مجرد إيمان قلبي عاطفي ليس مؤسسًا علميًا بشكل صحيح، فهو إيمان بالقلب دون معرفة أو علم سليم بالدين وأدلته وأسباب اليقين به.
وعندما يتعرض هذا الصنف من المؤمنين لتحديات واستشكالات وتساؤلات الإلحاد لا يجد لديه من العلم أو المعرفة ما يدفع به هذه التساؤلات والشكوك، وهو في نفس الوقت لا يعترف بجهله بدينه وبأن الأجوبة على هذه التساؤلات موجودة لكنه يجهلها، فتكون النتيجة هي وقوعه في الإلحاد.
2- الجفاف الروحي
عدم الشعور بلذة العبادة والقرب من الله والأنس بذكره ومناجاته تبارك وتعالى يؤدي إلى جفاف شديد في المشاعر الروحانية، وهذا الجفاف يجعل قرار الإلحاد يسيرًا على المرء، بخلاف من عاين وخبر هذه المشاعر.
3- السطحية الفكرية
بعض الشباب عندما يشرع في قراءة بعض الكتب أو المقالات أو الفيديوهات التي تروج للإلحاد قد ينبهر بما تعرضه نظرًا لافتقاده الحاسة النقدية أو لعدم قدرته على التمحيص والنقد لكل ما يُعرض أمامه من أطروحات، فيكون هذا الأمر بابًا للوقوع في الإلحاد، بينما لو تريث الشاب حتى يزداد علمًا ورسوخًا في القراءة والمعرفة لكان قراره مختلفًا تمامًا، كما يقول د. هيثم طلعت: (الإلحاد هو حكمٌ سطحيٌ كسولٌ للغاية على قضية عميقة للغاية ممتلئة بالأدلة) [الرد على الملحدين العرب؛ ص:1].
4- الاندفاع والعجلة
وهذا السبب قريبٌ من الذي قبله لكنه يتعلق بالجانب النفسي لا الفكري.
5- سطوة الشهوات ومحاولة الهروب من وخز الضمير
وهذا من أبرز أسباب الإلحاد بين المراهقين حيث يتعارض الاستمتاع بالشهوة مع الشعور بالذنب ووخز الضمير، ويكون على المرء أن يختار بين طاعة الله والانخراط في الشهوات، فيكون قراره هو التخلص من الله والدين وتكاليفه.
وهذا هو ما يدندن حوله كثير من منظري الإلحاد في كلامهم عن أن الشخص عندما يتخذ قرار الإلحاد يشعر بحالة من الارتياح والخلاص من التكاليف الدينية، لكن بالطبع هذا الشعور المبدئي بالراحة والتخفف من التكاليف الدينية يليه بعد فترة -طالت أو قصرت- الشعور بالقلق النفسي وفقدان السعادة وعدم القدرة على التلذذ بالمتع الدنيوية حتى مرحلة اليأس والقنوط من مصاعب الحياة الدنيا والرغبة في الانتحار.

ثانيًا: الأسباب الاجتماعية
وهي التي تنبع من المجتمع المحيط بالملحد في الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل والأصحاب.. الخ..
1- الجمود الديني وضعف المناعة المجتمعية
والمقصود بهذا هو انخفاض مستوى التدين في المجتمع بشكل لا يوفر لأفراده المناعة أو الحصانة ضد الأفكار المخالفة بما فيها الإلحاد وأطروحاته.
وهذا الانخفاض في التدين قد يكون على صورتين:
انخفاض مستوى العلم بالدين والتفقه فيه بين الناس؛
وانخفاض مستوى الالتزام بالطاعات ومراقبة الله في الأفعال والسلوكيات بين عوام الناس.
في مثل هذا المجتمع الهش دينيًا يسهل على أفكار الإلحاد أن تتسرب بيسر إلى عقول وقلوب الشباب الذين لم ينشئوا على علم بالدين أو استحضار مراقبة الله في سلوكياتهم.
ولا يعني هذا الكلام أن أبناء الأسر المتدينة سيكونون محصنين بالضرورة ضد خطر الإلحاد والانحراف.
2- كبت الأسئلة
بعض الأسر أو المجتمعات تمارس نوعًا عجيبًا من القهر على أبنائها فتمنعهم من طرح الأسئلة أو الاستشكال، وتهددهم بأن مجرد طرحها يعني الكفر والمروق من الدين، أو قد يقابلون أسئلة الشاب أو استشكالاته بالسخرية والتهكم والاستهزاء مما يدفعه لكتمانها صيانةً لمروءته وكرامته من الامتهان.
هذه الممارسة لكبت أسئلة الشباب تدفعهم للتفكير في أن الإسلام نفسه لا يملك أجوبة على التساؤلات وأنه يكبتها ويحرّمها حتى لا يقع الدين في الإحراج، وبالتالي تتضخم قوة هذه الاستشكالات والشبهات في ذهن الشاب إلى درجة تفوق حجمها الحقيقي، ويظن أن الإسلام دين ضعيف لا يملك أجوبة ولا حلولاً لأسئلته حتى تصبح في نهاية المطاف السبب في إلحاده وتركه للإسلام بالكلية.
3- اضطهاد المرأة
هذا من أبرز وأكبر أسباب الإلحاد بين الفتيات خصوصًا أن دعاة الإلحاد يستهدفون المرأة بدعاياتهم الإلحادية بزعم التحرر من سلطة الآباء وقهر الذكور وغيرها من الشعارات، فإذا انضمت إلى هذه الدعاية ما تلاقيه المرأة من اضطهاد وظلم وقهر في مجتمعها أو أسرتها كان هذا داعيًا قويًا للوقوع في فخ الإلحاد.
وأسوأ من هذا الأمر أن يتم تبرير هذا الاضطهاد والقهر للمرأة دينيًا بحيث تكتشف المرأة أن الإسلام هو سبب اضطهادها وظلمها، فيكون هذا داعيًا إلى تركها له.
4- تخلف الأمة
وهذا قد يعد من أسباب الإلحاد في المجتمعات المتخلفة حضاريًا خصوصًا إذا تم الربط بين هذا التخلف والدين؛ فعندما يقارن الشباب المنبهر بالغرب بين تقدم الغربيين الكفار وتحضرهم وترقيهم في مدارج العلوم والحكمة، وبين تخلف بني قومه من المسلمين وتأخرهم وانحطاطهم قد تكون هذه المقارنة دافعًا له لفقدان الثقة في قدرة الإسلام على تحقيق التقدم والنهضة، وبالتالي الكفر به بالكلية.
5- تمزق الأمة وتفرقها
وهذا أيضًا من أسباب الفتنة التي تؤدي بالشباب إلى الإلحاد ما بين سنة وشيعة وإباضية ومعتزلة، ثم بين السلفيين والأشاعرة والصوفية، وهكذا.. وهذه من أسباب الفتنة بين الشباب غير القادر على تمييز الحق من الأباطيل في هذه الأشلاء، فيقع في حيرة كيف يرضى الله الحكيم الرحيم أن يكون الدين سببًا في كل هذا التنافر والتناحر بين أبنائه مما يؤدي به في نهاية المطاف إلى الكفر بالله والإلحاد.

ثالثًا: الأسباب المعرفية
وهي المتعلقة بالعلم والمعرفة والشبهات، وأفضل من تكلم عنها د. الطيب بوعزة الفيلسوف الأكاديمي المغربي وأوجزها في الآتي:
1) ضعف وفقر المكتبة العربية الإسلامية في نقد الإلحاد الجديد، فيجد الشباب المتشكك والمتسائل نفسه في العراء، وفي المقابل هناك وفرة في المواد الإلحادية كتابية و مرئية بشكل يجعل المعادلة تميل بشدة لصالح الإلحاد.
2) اعتماد العلماء على صياغات كلامية قديمة بائدة لا يفهمها العوام بينما الشبهات معروضة بصياغات يسيرة قريبة للفهم.
3) رفض بعض العلماء التصنيف في الرد على الشبهات، فعندما يبحث الشباب عن ردود على الشبهات التي تحاصره لا يجد، وبالتالي يظن أنه لا توجد ردود ولا إجابات، فيفقد ثقته في قدرة الإسلام على مواجهة الإشكالات والتساؤلات مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الوقوع في الإلحاد.
وهذه الأسباب المعرفية للسقوط في الإلحاد تضم أيضًا شبهات كثيرة أهمهما:
– وجود الشر في العالم.
– القتل والحروب باسم الدين.
– شبهات حول القضاء والقدر.
– شبهات حول الحكمة الإلهية في الخلق.
لكن أهم هذه الأسباب المعرفية من وجهة نظري هو المتاجرة بالعلم لترويج الإلحاد؛ حيث يتم الترويج لنظرية التطور مثلاً على أنها حقيقة قطعية يقينية وأنها هي العلم الذي لا يقبل الخلاف، كما يتم الترويج للنظريات الحديثة في نشأة الكون خصوصًا على يد العالم الفيزيائي الأشهر ستيفن هوكينج. فإذا تعارضت هذه النظريات مع الدين كان هذا دليلاً عند القوم على بطلان الدين وخرافاته.
وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه الإسلام الآن؛ مواجهة هذه النظريات العلمية وتمحيصها وتمييز الحق من الباطل فيها وفق منهجية شرعية إسلامية عقلية سليمة.اهـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *