تداعيات مذكرة عيوش حول الدين واللغة العربية إعداد: مصطفى الونسافي

خلفت المذكرة التي وجهها رئيس «مؤسسة زاكورة» نور الدين عيوش إلى الملك ورئيس الحكومة، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للتعلِيم، والأحزاب السياسية والجمعيات، بشأن تصور المؤسسة حول إصلاح التعليم جدلا واسعا، لاسيما أن المذكرة تضمنت دعوة إلى اعتماد الدارجة المغربية في التعليم الأولي، والأخطر من ذلك -حسب كثير من المتابعين- هو الدعوة إلى إلغاء الكتاتيب القرآنية، لأن التعليم -حسب فهم عيوش ومن يحركه- ينبغي ألا يبقى دينيا.
«السبيل» رصدت بيانات وتصريحات أدلى بها عدد من المتخصصين والباحثين لبعض المنابر الإعلامية، ردا على ما جاء في مذكرة عيوش، وفيما يلي ملخص لأهم ما جاء فيها:

عبد الإله بنكيران(*): الدعوة إلى إقصاء القرآن من التعليم مُواجهةٌ للدولة المغربية
في أول رد فعل له على الدعوة التي أثارت ضجة بخصوص اعتماد الدارجة في التعليم المغربي، قال رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أن “الذي يقول بإزالة القرآن الكريم من مناهج التربية والتعليم هو يواجه في الحقيقة الدولة المغربية”، وأكد أن المغرب سيستمر في تعليم أولاده للقرآن الكريم إلى يوم الدين.
(*) رئيس الحكومة المغربية

د. عبد العلي الودغيري(*): من هو هذا الرجل الذي يحشر نفسه دائما في أمور ليس خبيرا فيها ولا مؤهلا لها؟
الخطة التي يراها عيوش كفيلة بالنهوض بالتعليم وتعميمه، ويمارس ضغوطا على الجهات العليا لتنفيذها، لا نرى فيها سوى خطة لتدمير التعليم في المدرسة العمومية، والإجهاز على اللغة العربية، وزيادة إرساخ أوتاد الفرنكوفونية وإقصاء الحِسّ الديني.
وتساءل الدكتور الودغيري: من هو هذا الرجل الذي يحشر نفسه دائما في أمور اللغة وتدريسها ويقدم النصح والتوجيه للجهات العليا في مسألة ليس خبيرا فيها ولا مؤهلا لها؟ ومن أين تأتيه كل هذه الإمكانيات المادية التي يوظفها لتنظيم ندوات «دولية» في سرعة فائقة كلما أراد ذلك؟؟
ومن هي الجهات التي تساعده وتموله وتحركه؟ ولماذا يتعمد في ندواته التي يقول عنها إنها دولية، تغييب الخبراء المغاربة والعرب أيضا في مجال اللغة والتعليم والتربية، ويلجأ عوض ذلك إلى أشخاص أجانب مشبوهين، خاصة بعض الفرنسيين من أصول يهودية مغاربية، ومن دعاة الدارجة المتحمسين؟؟
(*) أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط
ذ. محمد الخليفة(*): دعوة عيوش وقاحة متناهية وازدراء لمقومات الأمة المغربية وثوابتها
لقد تأكد بتصريح رسمي وعلني وبوقاحة متناهية وازدراء لمقومات الأمة المغربية وثوابتها وحضارتها، وحاضرها ومستقبلها، أن توصية صدرت عن ندوة وصفت بالدولية رفعت إلى الملك بصفته رئيسا للدولة لمطالبته باعتماد الدارجة المغربية في التعليم وإنهاء دور الدين في المدارس!
إنني كمناضل وطني آمن على الدوام بقيم ومقومات الشعب المغربي الخالدة المتمثلة في الإسلام ولغة القرآن والانتماء للأمة الإسلامية والعربية أعلن بقوة استنكاري لهذا التوجه الاستعماري اللغوي الذي لا يخدم إلا الأجندة المعروفة منذ القديم التي تروم الإجهاز على هذه المقومات، وفرض واقع أليم يطمس معالم حضارة هذه الأمة ويفرض واقعا استسلاميا واستلابيا للإجهاز على حاضر الأمة ومستقبلها.
لقد بلغ الأمر منتهاه ووصل إلى حد لا يطاق ولا يسكت عن أبعاده الدنيئة وأهدافه إلا شيطان أخرس وذلك بعد أن عاش الشعب المغربي بحسرة وألم مسلسل الإجهاز على اللغة العربية في الحياة العامة، وتمت فرنسة الشارع المغربي ظلما وقهرا، وتستمر القنوات التلفزية الرسمية في غيها خدمةً للمخطط اللغوي الاستعماري للهيمنة على السمع والبصر والفكر، مما يشكل انتهاكا صريحا للدستور بعدم احترام اللغة الرسمية للدولة.
إن هذا المخطط الدنيء، فوق أنه موقف لا أخلاقي ولا وطني لأنه يستهدف الأمة في أحد أعز مقدساتها، فإنه يحتقر الشعب المغربي في اختياره الثابت على الدوام وتصويته على الدساتير المتوالية بخصوص الهوية واللغة، بالإضافة إلى أنه مخطط جهنمي ضد حضارة المغرب وقيمه، وضد مستقبل المغرب المسلم.
(*) قيادي استقلالي، ومحامي ونقيب سابق

د. محمد الحناش(*): اللغة العربية قاطرة التنمية الاقتصادية للمغاربة
إن غياب رؤية استراتيجية واضحة للنهوض بقطاع التعليم والتركيز على اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية يحول دون تحقيق تنمية مجتمعية، كما تكون له تداعيات سلبية أبرزها هجرة الأدمغة التي تتلقى تكوينها باللغة الفرنسية.
التدريس باللغات الأجنبية يجب أن يكون من أجل الاستهلاك وليس من أجل الإنتاج، ويكفي أن نعلم أن كل الدول المتقدمة في العالم حققت تنميتها بلغاتها الوطنية، ولذلك ندعو الجهات المسؤولة إلى ضرورة اعتماد اللغة العربية من أجل ولوج مجتمع المعرفة.
ويبدو أن البعض قد نسي أن الغرب ما كان له أن يتقدم ويصل إلى ما وصل إليه اليوم لو لم يكن قد نقل المخزون المعرفي الذي حملته إليهم لغة الضاد، فانبروا إلى لغتهم الوطنية التي بها أسسوا معارف عالمنا الجديد، ولكانوا مازالوا متخلفين قرونا عددا عن العالمين.
أما الدعوة إلى تقليص دور الكتاتيب القرآنية فلا يُرَد عليها، وأقل ما يقال عنها أنها دعوة لا يتفوه بها إلا من فقد بوصلة الهوية المغربية، وأصبح ملكية فكرية غير مغربية، بل غير عربية.
(*) أستاذ الهندسة اللغوية العربية والعامة، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة العرفان

د. المختار بنعبدلاوي(*): لماذا يحقدون على العربية ويسعون إلى إخماد أنفاسها؟
الكل يعلم، بما في ذلك الذين يروجون لأطروحة الدارجة، أن الأمر يتعلق بمزحة سخيفة؛ عندما يظهر البعض غيرته على الدارجة المغربية فاعلم أنه يصوب سهامه إلى العربية المعيارية، وليس الكلاسيكية كما يروج لذلك المتفرنسون.
إن الدعوة إلى الدارجة ليست إلا محطة استراحة في انتظار خوض معركة ترسيم الفرنسة؛ وسوف تكون المبررات وافرة ومقنعة آنذاك بسبب غياب المصطلح، وانعدام البرامج العلمية، والبرمجيات المعلوماتية…
السؤال الحقيقي إذن ليس هو لماذا يدافع هؤلاء عن الدارجة؟ بل لماذا يحقدون على العربية، ويسعون إلى إخماد أنفاسها؟
هناك تياران داخل تيار العداء للعربية، وهو نزوع قليل العدد، لكنه كبير الأثر في رسم سياساتنا الاقتصادية والثقافية:
– تيار المتفرنسين، المستفيدين؛ الاقتصاديين والسياسيين من علاقات المغرب بشريكه الاقتصادي الأول. بالنسبة لهذا التيار الفرنسية ليست لغة فحسب، إنها ضمانة لحماية مصالحه الاقتصادية، ولتوسيع هذه المصالح في أوربا نفسها، مقابل التزام رموز هذا التيار المالي والثقافي ببقاء منطقتي شمال وغرب إفريقيا داخل دائرة النفوذ الفرنسي.
– تيار متقاعدي اليسار، وورثة قيم الجمهورية العلمانية الذين يعتقدون أن العربية حاضنة للإسلاموية، وأن تحديث المغرب يمر عبر قطع شعرة معاوية التي لا زالت تربطه بتراثه الإسلامي وهي اللغة العربية.
(*) رئيس مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية

ذ. موسى الشامي(*): من يريد تدريس الدارجة عوض العربية يخطط لإرجاع الاستعمار للمغرب
اللغة العربية هي لغة حضارة عريقة، وهناك دول -مثل اسبانيا وفرنسا على سبيل المثال- مازالت تستفيد من عائدات الحضارة العربية التي مرت بها، فالداعون اليوم للاستغناء عن هذه اللغة إنما هم مجرد دعاة لعودة الاستعمار للمغرب، انطلاقا من رغبة فرنسا العودة لاستعمار المغرب ثقافيا بعدما حاولت احتلاله اقتصاديا، عبر مخططات محبكة.
نحن لا نحارب الدارجة، سواء العربية منها أو الأمازيغية، لأنها موروثات شعبية ينبغي الحفاظ عليها، لكن ما نحاربه هو محاولة التفرقة بين الشعب المغربي بفرض لهجة معينة كأنها لهجة جامعة، أما العربية فإن جميع المغاربة منخرطون في إنجاحها وجعلها اللسان الرسمي للبلاد، ولا أدل على ذلك من المنظمات التي تعنى بحماية اللغة العربية ويرأسها أمازيغيون.
إن تعريب المقررات العلمية أكد بما لا يدع مجالا للشك أنها ناجحة بكل المقاييس، لكن الخلل الحقيقي يكمن في أن التلميذ بعد تخرجه من الباكالوريا بمستوى جيد وقد قرأ المقررات بالعربية، يصطدم بمقررات فرنسية في الجامعة، وهو الإشكال الذي يجب حله.
(*) رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية

ذ. عبد القادر الفاسي الفهري(*): مقاومة اللغة العربية والتكوين القرآني حرب إيديولوجية مآلها الفشل
هذه محاولة لإشعال حرب لغوية متعددة الجهات، والدارجة هي فقط طرف فيها، وليست حربا جديدة، هي الحرب نفسها التي كانت سنة 1998، حيث دعا بعضهم آنذاك إلى إحلال الدارجة محل الفصحى. وهذا جزء من الخطة الفرنكوفونية التي تدعو كذلك إلى اعتماد اللغة الفرنسية لغة أولى في التعليم.
ما نسجله اليوم هو وجود مقاومة للغة العربية وللتكوين القرآني الذي يسمح بالتمكن من هذه اللغة في سن مبكرة، فهناك حرب شاملة وهي إيديولوجية وستفشل، هؤلاء لا يريدون إصلاح التعليم، ولذلك يشعلون حروبا زائفة.
وما يجب أن نعيه جميعا هو أنّ الدعوة إلى الدارجة، انقلاب واضح على الدستور، لأنّ الدستور الجديد ينص على أنّ اللغة العربية يجب أن تنتشر، وأن تحرص الدولة على دعمها وحمايتها وتعميمها.
(*) خبير دولي في اللسانيات، وأستاذ باحث في اللسانيات العربية المقارنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *