ملف جمعيات تحفيظ القرآن الكريم.. ويستمر مسلسل الظلم نبيل غزال

لم يعد مفهوما اليوم الصمت المطبق الذي تنتهجه الدولة إزاء ملف الجمعيات القرآنية التي أوصِدت أبوابُها دون وجه حق أو سند من قانون؛ لم يعد هذا التصرف مقبولا بتاتا بعد خطاب 9 مارس؛ الذي أعطى من خلاله الملك محمد السادس الانطلاقة لإصلاحات دستورية واسعة شملت مجال الحريات الفردية والجماعية. 

فالشطط الذي طال حقوق جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في عز نشاطها وبالضبط في العشر الأواخر من رمضان؛ في وقت كانت جنباتها تعج بالقارئين لكتاب الله تعالى والمتدبرين لآياته؛ بحجة أن هذه الجمعيات تجمعها علاقة بالدكتور محمد المغراوي! هذا الشطط لم يعد لاستمراره أي مسوغ في مغرب ما بعد 9 مارس.
فلا يمكن لأي مواطن فضلا عن أي حقوقي أو رجل قانون له حس وعقل وإدراك أن يتفهم هذا السلوك ويتقبل هذا الوضع ويصبر على هذا الظلم الذي طال أكثر من 67 جمعية لتحفيظ القرآن؛ ظلم طال مئات الآلاف من المواطنين المغاربة الذين كانوا يستفيدون من أنشطة تلك الجمعيات.
لقد عبر من استطاع ولوج موقع الحملة الوطنية لنصرة دور القرآن بالمغرب -من المتعاطفين والمستفيدين من أنشطة الجمعيات القرآنية، قارب عددهم 100.000- عن شجبهم واستنكاره لقرار الإغلاق؛ وطالبوا السلطات المعنية بالتعقل وإعادة فتح مقرات الجمعيات القرآنية.
فلا ندري حقيقة، لماذا يتم عمدا تجاهل حقوق مئات الآلاف من المغاربة الذين سلبت حقوقهم وأغلقت في وجوههم جمعيات كانوا إلى الأمس القريب يستفيدون من أنشطتها؟!
لماذا لا تعيد السلطات الحقوق إلى أهلها؟!
أم تراها تعتبر رواد دور القرآن الكريم والمستفيدين من أنشطة جمعياتها مواطنين من الدرجة الثانية؟!
لقد صار المغرب اليوم منفتحا على كل التوجهات وقابلا للتعايش مع كل المرجعيات؛ وفُسح المجال فيه لكل نكرة أن يخدم مرجعيته ويعبر عن رأيه وإن كان رأيه من قبيل ما {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً}؛ يسمح له ويتم تمتيعه بحقه إذعانا من المسؤولين لأحكام نصت عليها المواثيق الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان! في حين تضيق هذه القوانين وصدور من يعتنقونها دينا عندما يتعلق الأمر بالقرآن وأهله!
بل باتت حقوق الممارسات الدينية في المغرب مكفولة لليهود والنصارى وحتى الهندوس؛ وقد سبق لوزارة الخارجية الأمريكية أن نوهت بالجهود التي يبذلها المغرب في مجال حرية التدين، وأعربت أن “المجموعات اليهودية والمسيحية تمارس معتقداتها علانية، فضلا عن مجموعة هندوسية صغيرة بمقدورها ممارسة شعائرها بحرية”، مشيرة إلى أن السلطات المغربية تمنح امتيازات جبائية وقطع أرضية وخصومات ضريبية بالنسبة للمواد المستوردة الضرورية للأنشطة الدينية للمجموعات الدينية الكبيرة خاصة اليهود والمسيحيين”.
وبذلك صار المغرب بلد التسامح والتعايش في العالم الإسلامي بامتياز؛ لما يتيح لمعتنقي الديانات الأخرى من حريات وحقوق؛ وفي مقابل ذلك يضيق على مئات الآلاف من المغاربة المسلمين؛ ويحرمون من حقهم في التجمع وخدمة المجتمع والصالح العام!
فأي حيف وأي ظلم أعظم من هذا!!!
إن هذا الإقصاء الذي تنتهجه السلطات اتجاه الجمعيات القرآنية المغلقة لن يستفيد منه المغرب دون شك؛ ولن تخدم مثل هذه القرارات المجحفة إلا المخططات الغربية؛ التي أكدت على ضرورة إغلاق الكتاتيب القرآنية وسحب أكبر عدد ممكن “من هذا التعليم التقليدي إلى التعليم العلماني الذي تنفق عليه برامج حملة الدبلوماسية الأمريكية العامة أكثر من مليار دولار” (التقرير الأمريكي الذي نشرته مجلة “يو إس نيوز آند وورلد ريبورت” بعنوان “قلوب وعقول ودولارات).
لذا نجد العلمانيين وكلاء أمريكا والغرب يؤيدون الظلم الذي لحق بالجمعيات القرآنية رغم كونه خرقا سافرا للقانون الذي يجعلونه فوق القرآن الكريم، وذلك لأنهم يعتقدون اعتقادا جازما أن إغلاق جمعيات تعنى بتحفيظ القرآن الكريم هو من مستلزمات التمكين للعلمانية في المغرب.
هذا ما يجعل كثيرين يرون أن التضييق على الجمعيات القرآنية لن يزيد مجتمعنا إلا معاناة واستفحالا للعديد من الظواهر الشاذة التي تستنزف ميزانية الدولة وتخرب منظومة القيم وتشيع في المجتمع العديد من الأفكار الخطيرة والهدامة والمرتبطة أساسا بانتشار القناعات العلمانية.
ورغم ما يمارسه بعض الكتاب العلمانيين في صحفهم بالوكالة عن من يستأجرهم من ترهيب وإرهاب في حق الجمعيات القرآنية بتصويرهم للرأي العام زورا وبهتانا أنها مدارس للإنغلاق والتشدد فإن هذه الجمعيات المغلقة لا زالت إلى يوم الناس هذا ترسل العديد من الرسائل الواضحة الجلية؛ تجسد من خلالها منهجها في نبذ العنف والتطرف؛ وعزمها على المطالبة بحقها بكل الوسائل التي يكفلها لها القانون.
لذا، نرى واجبا اليوم أكثر من أي وقت مضى حل هذا الملف العالق؛ بإعادة فتح مقرات دور القرآن الكريم، وإرجاع الحق لأصحابه رفعا للظلم الذي لحق فئة تقاربا في عددها مجموع سكان بعض دول العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *