كيف تلقى العلمانيون فوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية؟ نبيل غزال

الإسلام كما هو في حقيقته، وكما عاشه أجدادنا وآباؤنا، وكما عرفناه منذ نعومة أظافرنا، دين شامل لكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا وجود في الشريعة الإسلامية ولا في الثقافة الإسلامية أيضا؛ لإسلام سياسي وآخر اقتصادي وثالث اجتماعي؛ بل هو إسلام واحد شامل لجميع مناحي الحياة.
وقد اشتهر إطلاق مصطلح (الإسلام السياسي) -كما أراد الغرب وسوق لذلك عن طريق أذنابه- على كل جماعة إسلامية تهتم بقضايا الأمة.
وحسب ما ذكره الأستاذ عطية الويشي في كتابه حوار الحضارات (ص:210): فـ(أول من استخدم هذا المصطلح هو هتلر، حين التقى الشيخ أمين الحسيني مفتي فلسطين آنذاك، إذ قال له: إنني لا أخشى من اليهود ولا من الشيوعية، بل إنني أخشى الإسلام السياسي). (نقلا عن ثقافة التلبيس لسليمان الخراشي).
وعلى أي؛ فالمغرب لم يكن استثناء من باقي الدول العربية والإسلامية، فكل من حاول إصلاح أوضاع البلاد انطلاقا من مرجعية غير المرجعية العلمانية؛ واختار الانطلاق من المرجعية الإسلامية فإنه يهاجم على الفور؛ ويرمى بالتهم الجاهزة المعروفة؛ وبالعمل على إقحام الدين في السياسة وكأنها جريمة؛ على اعتبار أن الدين يجب أن يبقى سلوكا فرديا؛ وأحكامه وتشريعاته حبيسة دفة المرجع الذي يشملها.
فرغم أن المسار الذي سلكته بعض التيارات الإسلامية في المغرب؛ واختيارها الدخول في اللعبة الديمقراطية؛ والمشاركة السياسية؛ وخوض لعبة التحالفات؛ والقبول بما أفرزته صناديق الاقتراع، يتطلب تنازلات تخل ببعض الأحكام الشرعية، ورغم استجابت هذه التيارات لمتطلبات الاختيار “الديمقراطي” الذي يؤمن به العلمانيون إيمانا راسخا لا تزحزحه الجبال؛ ولا يرون طريقا للإصلاح سواه؛ ويوالون ويعادون عليه؛ ويطردون كل من خالف توجههم وينبذونه خارج الإجماع الوطني!! -زعموا-؛ فرغم هذا كله، حين أفرزت صناديق الاقتراع صعود حزب ذي مرجعية إسلامية كشَّر العلمانيون عن أنيابهم وأخرجوا مكنون صدورهم.
وبالمناسبة؛ فهذا فرصة يجب أن تهتبل؛ وموسم لا يتكرر كثيرا، تُكشف فيه الأوراق، وتظهر الحقائق، ويَضطَر فيه السياسيون والحقوقيون إلى الإفصاح عن مواقفهم إزاء العديد من القضايا التي يفضلون دوما عدم الإعلان عنها صراحة؛ واللجوء إلى التعمية على الرأي العام وممارسة النفاق.
فقد وصف اليساري سعيد السعدي عضو حزب التقدم والاشتراكية ذي الماضي الشيوعي؛ وكاتب الدولة السابق في شؤون الأسرة والطفل والتضامن؛ حزب العدالة والتنمية باليمين المتطرف واضعا إياه في خانة حزب اليمين المتطرف في فرنسا الذي يقوده جون ماري لوبان، واليمين المتطرف في هولاندا الذي يقوده خيرت فيلدرز.
واعتبر السعدي مقدم مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية سنة 2000 أن: “مواجهتهم -أي العدالة والتنمية- خلال معركة خطة إدماج المرأة في التنمية التي كانت قد أحدثت انقساما في المجتمع المغربي تجعلني أحذر من التحالف مع اليمين في شكله الأكثر تطرفا خاصة في مجال الحريات العامة وحقوق المرأة” أخبار اليوم 03-04/12/2011.
أما وزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري؛ عضو حزب الاتحاد الاشتراكي؛ ففسر رفضه المشاركة في حكومة بنكيران بقوله: “لا نريد الحكم مع العدالة والتنمية لأننا نريد أن ندافع عن مشروع آخر غير مشروعهم، مشروع مجتمعي يؤمن بفصل السياسة عن الدين، ويؤمن بالمساواة بين الرجال والنساء، ويؤمن بحرية التفكير والإبداع والتعبير، ويؤمن بالتعددية الثقافية واللغوية لبلدنا، ويؤمن بقيم الحداثة والتقدم، إنه مشروع لا نريد أن يختفي من أفقنا من أجل كمشة من المقاعد”. (الاتحاد الاشتراكي 3-4/12/2011).
وصرح آخر بقوله: “المطلوب من القوى الديمقراطية والحداثية في المجتمع أن تتمتع اليوم أكثر من أي وقت مضى باليقظة اللازمة حتى لا نجد بلدنا في يوم من الأيام وقد خرج من استبداد مخزني إلى استبداد ملتح” (الأحداث 29/11/2011).
فالاستبداد الملتح الذي يخشاه العلمانيون والذي يعادون من أجله حزب العدالة والتنمية الذي خاض معهم “اللعبة الديموقراطية” هو ما عبر عنه صراحة محمد الطوزي؛ عضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور؛ بقوله: أن الصراع بين الحداثيين والإسلاميين هو صراع قيم، صراع حول ممارسة الحريات اليومية، وما فصله محمد الأشعري بقوله السابق.
ذلك أن مشروعهم يختلف عن مشروع العدالة والتنمية بكونه مشروعا يُبعد الدين عن التدخل في المجال السياسي؛ ويؤمن بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وفي شتى المجالات؛ سواء في الأحوال الشخصية أو الإرث أو غير ذلك؛ ويؤمن بقيم الحداثة التي يعتبرونها “رؤية شمولية للحياة”، كما نعتبر نحن الشريعة منهج حياة متكامل أيضا؛ الحداثة التي يؤصل صنمها أدونيس أن: “الأخلاق التقليدية هي التي تعيش الخوف من الله، وتنبع من هذا الخوف، الأخلاق التي يدعو إليها جبران هي التي تعيش موت الله”، (أدونيس؛ الثابت والمتحول). الحداثة وحرية التعبير والإبداع التي تسمح لمحمد الماغوط أن يخاطب ربه بكل قبح وجرأة بقوله: (لماذا خلقني؟ وهل كنت أوقظه بسبابتي كي يخلقني)، (محمد الماغوط؛ الآثار الكاملة: ص:218).
وبالنظر إلى هذه الاختلافات العقدية والقيمية بين الأحزاب العلمانية وحزب العدالة والتنمية يتبين لنا أن حقيقة خلافهم يكمن مع الإسلام كعقيدة وشريعة لا مع العدالة والتنمية كحزب.
وذلك واضح من خلال مطالبهم المخالفة للنصوص الصريحة للكتاب والسنة؛ إلا أنهم لا يجرؤون على البوح بذلك داخل مجتمع يعتبرونه شعبويا يعاني التخلف والرجعية؛ لذا فهم يستعيضون عن الصراحة والوضوح بسلوك سبيل النفاق والتقية؛ ولا تظهر حقيقتهم إلا في مثل هاته المناسبات ومناسبات أخرى شبيهة لها.
فمتى سيتحلى العلمانيون بالشجاعة ويُعرضوا عن ازدواجية الخطاب والتلون في المواقف؛ ويَعرضوا مشروعهم العلماني المنفصل عن الدين كما هو وبكل وضوح على الشعب المغربي؛ ليقول كلمته فيهم؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *