اشربوا الخمر حتى لا تطبق الحدود الشرعية!! إبراهيم بيدون

“إذا استجبنا اليوم إلى دعواتهم بتطبيق قوانين منع بيع الخمور للمغاربة المسلمين، فإنهم غدا سيطالبون بتطبيق هذه الحدود، لأنهم يؤمنون بمبدأ التدرج” جريدة الصباح.

في ظل احتدام الصراع بين الاتجاه المنافح عن الرؤية الشرعية لتحريم الخمر وبين الاتجاه العلماني الذي يبيح تعاطي الخمور والمخدرات من منطلق ممارسة الحريات الفردية، مع الدعوة إلى إلغاء القوانين الوضعية التي تمنع على المسلمين في المغرب اقتناء وتعاطيها، يستغل العلمانيون الفرصة لإعلان عدائهم الكبير لتحكيم شرائع الإسلام في الحياة العامة للمجتمع، مستهزئين بفكرة المطالبة بتطبيق الحدود الشرعية التي شرعها الله عز وجل الحكيم المتعال لردع من جاهر بالمعاصي والذنوب، واعتدى على حقوق الناس وحياتهم.
ففي سياق اعتبار العلمانيين أن الدعاة الذين يذَكِّرُون المسلمين بتحريم الخمر شربا وتسويقا..، دعاة بدونة ورجعية سبقهم قطار الحداثة، وأصواتهم لا تعدو صدى لزمن غابر أنكره التاريخ، ذكر بعضهم: “أن الغائب الحاضر لحدود الساعة في خطاب التيار المحافظ، هو الحديث عن تطبيق الحدود الإسلامية في حق مستهلكي الخمر، وطبعا إذا استجبنا اليوم إلى دعواتهم بتطبيق قوانين منع بيع الخمور للمغاربة المسلمين، فإنهم غدا سيطالبون بتطبيق هذه الحدود، لأنهم يؤمنون بمبدأ التدرج” (الصباح، ع:3038 سامي المودني).
واعتبرت الرويسي رئيسة بيت الحكمة (والصواب تسميته ببيت الظلمة، لأن الإسلام جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهؤلاء يريدون إخراج الناس من نور الإسلام إلى ظلمة البعد عن الله)، أن التطور المجتمعي هو بالضبط ما جعلنا نتخلى عن الجَلد، وإقامة الحد وقطع يد السارق والعبودية، “التطور المجتمعي يفرض علينا الآن فتح نقاش في أمور أخرى..” المصدر السابق.
إن الذي يسمع هذا الخطاب يتخيل وكأن قائله ساركوزي، وهو يتحدث تحت قبة برلمان بلده العلماني الحداثي حيث التطور المجتمعي أفرز الفكر العلماني الذي كفر بكل ما هو ديني، وركن النصرانية داخل الكنيسة بعد أن منع تدخلها في تنظيم الدولة أو العلاقات بين الأفراد، بل قطع صلتها نهائيا بكل ما يندرج تحت مجال الشأن العمومي.
لقد قفزت هذه المسكينة ليس على كل الحقائق التاريخية فقط بل حتى على ما هو مضمن في دستور البلاد ومطبق على أرض الواقع، متجاهلة أن المغاربة درجوا منذ خمسة عشر قرنا على تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود، لأنهم علموا أن من مقتضيات العبودية طاعة الله بما أمر، وأن من مقتضيات توحيد الربوبية إنفاذ مشيئة الله عز وجل في تشريعاته التي شرعها سبحانه لخلقه، وقد قيض الإسلام لحماية تطبيق الشريعة مؤسسات وأفرادا، وتوعد من امتنع عن ذلك بالوعيد الشديد في الدنيا قبل الآخرة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: “حد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين صباحاً”، من أجل ذلك حافظ المسلمون على تحكيم شرائع الإسلام.
ثم إن الدارس لتاريخ الحملة الامبريالية على دول الإسلام، يعلم يقينا أن الدول العلمانية الصليبية هي التي عملت على تغيير تحكيم الشريعة في بلاد المسلمين، بالتضييق على المحاكم الشرعية وإقامة المحاكم المدنية، واستصدار القوانين الوضعية المستوردة من منظومتهم القانونية المادية العلمانية، ومن ذلك إصدار الظهائر المنظمة لبيع وتعاطي الخمور في المغرب..
ومن الغريب أن القوانين في نصوص هذه الظهائر مع تعديل طفيف، مازالت تنظم إلى اليوم تجارة وشرب الخمر بالمغرب، مما سمح باستفحال آثار شرب الخمور تثبيتها في الاقتصاد الوطني، والأغرب من هذا هو أن نسمع الأصوات النشاز من الأبواق العلمانية تنادي بإلغاء حتى هذه القوانين لأنها تمنع المغربي المسلم من التمتع بشربه للخمر، الشيء الذي يمكن معه اعتبار العلمانيين امتدادا للاحتلال سواء على مستوى الفكر أم على مستوى السلوك، فوظيفتهم مسخ المغاربة وسلخهم عن هويتهم الدينية وتعبيدهم للفكر العلماني الغربي؟
والظاهر أن أصحاب هذا الفكر المتسيب المأفون، هم أشد علينا وعلى هويتنا من احتلال الأمس، إنه الاحتلال الجديد، في رداء الاحتلال الفكري والمعرفي والقيمي، الذي أفحش في المطالبة بما لم يقدر المحتل القديم على التفوه به!!
إنهم يطالبوننا بالتنكر التام لهويتنا وخصوصياتنا، بل تجرأ سفهاؤهم وطالبوا بانفتاح أوسع على كل السلوكيات المنحرفة كتقنين بيع وتعاطي المخدرات والحشيش.
والعلمانيون لعمى بصائرهم يتناسون أن ما يطالبون به بحجة التطور المجتمعي، هو نفسه ما تشكو منه المجتمعات الغربية وتعمل ليلا ونهارا على الحد منه، فهذه فرنسا تكد بكل قوتها للحد من استهلاك الخمور وتفرح بتدني نسبة تعاطيه سنة بعد سنة في الوقت التي يطبل العلمانيون ويرقصون لأن صناعة الخمور تعرف في المغرب رواجا وازدهارا.
ونتساءل: هل إلغاء حظر بيع وتعاطي الخمور في المغرب سيرافقه منعه على القاصرين، والسائقين؟
سيكابر مناصرو أم الخبائث فيقولون: نعم لأنه سلوك الغرب والدول “المتقدمة”، دون اكتراث منهم بسقوطهم في النفاق الاجتماعي الذي يستنكرونه في حالة دوام منع الخمور، لأنها ممنوعة بالقانون ومباحة في الحياة العامة، حيث سنقع في المشكل ذاته مع القاصرين الذين سيكثر تعاطيهم للخمر مع سياسة تقريب الخمور من المواطنين، ومع السائقين المتهورين الذي يشربون الخمر ويسوقون سياراتهم، لأننا في كل الأحوال لا نحترم القوانين الوضعية، ولا توجد سلطة كفيلة بالتغلب على ذلك النفاق الاجتماعي، وسنصل في الأخير حسب مبدأ العلمانيين إلى السماح للقاصرين بتعاطيها، والسائقون المخمورون سيستمرون في سياقتهم، لأن القانون الذي سيجزرهم لا يفعل. ولن يصلح الناس إلا الرجوع لدينهم، وامتثال أوامر ربهم، ومنع الخمور من بلدنا مطلقا، لأن لنا دينا يمنعنا من الاقتراب منها، بله شربها وبيعها.
وحسب مفهوم التطور الاجتماعي عند الرويسي، المقتضي لتعطيل حدود الله تعالى، ينبغي علينا أن نفكر في تقنين الشذوذ (اللواط والسحاق، والزواج المثلي) والزنا، وأن نحرر زراعة المخدرات، وأن نقنن بيوت الدعارة- وهو ما يشجع الزنا بين المسلمين، ويرفع من سقف السياحة الجنسية-، وأن نسمح بعبادة الشيطان (لأن شبابا سيختارون هذا الطريق)، وأن نمنح الناس حرية الإلحاد والارتداد عن الدين باسم حرية الاعتقاد..
إن إسقاط الحدود الشرعية مبني على هيمنة العلمانية العالمية المقدسة للحرية الفردية وليس على التطور الاجتماعي، وهذا ما بينه العلامة المؤرخ أحمد الناصري رحمه الله تعالى المزداد 1250هـ/1835م، بقوله: “واعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا، لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأسا.
أما إسقاطها لحقوق الله فإن الله تعالى أوجب على تارك الصلاة والصوم وعلى شارب الخمر وعلى الزاني طائعا حدودا معلومة، والحرية تقتضي إسقاط ذلك كما لا يخفى..” (الاستقصا 8/130).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *