استخدمت القوى الخارجية الأقليات في عملية غزو الأوطان، وهذا دور هدّام ظهر في الغزو الأمريكي للعراق، وكذا في الغزو الأمريكي لأفغانستان حيث تم استخدام ما يسمى بالتحالف الشمالي وهو مكون من الأقليات غير البشتونية عرقية ومذهبية مثل الأوزبك “عرقية” والإسماعيلية “مذهبية” وغيرها. وكذلك استخدمت القوى الخارجية الأقليات في تثبيت الاحتلال والتعاون معه وتنفيذ أجندته.
ولا يقتصر توظيف الأقليات للوصول إلى مثل الأغراض فقط، بل يمكن استخدام الأقليات كورقة للضغط على الحكومات كما تفعل الولايات المتحدة بالنسبة لورقة الأقباط في مصر، أو لإضعاف المناعة الداخلة للمجتمعات، أو حتى للشوشرة على المشروع الإسلامي والثقافة الوطنية، أو لتحقيق مهام أخرى كلها تدخل في هذا الدور الهدّام.
الأمثلة في هذا الصدد واضحة جداً، فاليهودي “هنري كورييل” تم استخدامه لجر الحركة الشيوعية في مصر إلى عدم معارضة المشروع الصهيوني، بل إن حركة هدّامة مثل الشيوعية نشأت في بلد مثل مصر على يد اليهودي “جوزييف روزنتال” سنة 1918م..
وفي الحقيقة فإن دور اليهود في إنشاء الأحزاب الشيوعية العربية أصبح دوراً معروفاً في مصر وسوريا وفلسطين وغيرهم، بل وكذا جر تلك الحركات إلى نوع من التصهين في إطار الدور الهدّام للأقليات، ويمكن رصد وجود كبير من غير المسلمين في الأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة، وكذا في الدعوة التي يتبناها عدد من المثقفين المنتمين للأقليات في مناهضة اللغة العربية أو الثقافة الإسلامية ويظهر ذلك واضحاً في أمثال الأمازيغي صلاح الدين محسن الذي يدعو إلى نبذ الثقافة الإسلامية واللغة العربية وإحياء الرموز الوثنية ليس في المغرب العربي وحده بل في مصر والعراق والشام، وأمثال سلامة موسى، ولويس عوض، وغالي شكري، الذين تحمسوا للكتابة بأحرف لاتينية بدلاً من الحروف العربية ودعوا إلى استخدام اللهجات العامية ومارسوا الحرب بلا هوادة على اللغة العربية.
في هذا الإطار يشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعد أن ورثت النفوذ الاستعماري البريطاني والفرنسي والأوروبي عموماً في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، جعلت من موضوع توظيف الأقليات جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيتها الخارجية، فدعمت الأقليات الدينية في مصر، والشيعية في العراق، والأمازيغة في المغرب، والنوبة في مصر، وأمعنت في تعميق مشاكل الأعراق في السودان.. وغيرها مما لا يمكن حصره.
فالعراق -مثلا- منذ تأسيس الدولة لم يعرف الحرب الأهلية رغم التنوع العرقي والديني والمذهبي الذي يتميز به إلا بعد الاحتلال الأمريكي والتواطؤ الشيعي الأمريكي، وقد اعتمد الأمريكان بصورة واضحة في احتلالهم للعراق على استخدام الأقليات وخاصة الكردية والشيعية، ولا يعد التنوع العرقي والديني والمذهبي في العراق الحديث حالة خاصة ولا استثناء لا بالمقاييس الإسلامية التي حلت تلك المشكلة أصلاً بالنظر إلى رحابة الإسلام وتسامحه وإمكانية أن يتحول التنوع إلى مصدر قوة، ولا حتى بالمقاييس الأوروبية، فمعظم الدول الأوروبية فيها هذا التنوع، بريطانيا مثلاً فيها الاسكتلنديون، والإنجليز، والويلزيون والايرلنديون، وفيها بروتستانت وكاثوليك وكذا مسلمون بعد الهجرة.
إن استخدام الولايات المتحدة اليوم ومن قبلها الدول الأوروبية لموضوع الأقليات لم يكن -ولن يكون- إلا نوع من استخدامها كورقة في المعادلات الدولية والإقليمية ثم تركها تدفع الثمن وتواجه مصيرها المشؤوم وتتعرض حتى للإبادة، وهي خبرة يجب على الأقليات أن تدركها فتمنع قيادتها من العمالة للخارج أو تقديم طلبات طائفية أو عرفية أو مذهبية على حساب الأوطان، أو لعب دور هدّام في المجال الثقافي مثلاً. (الحل الإسلامي لمشكلة الأقليات؛ د. محمد مورو).