هل تشيع الإمامان النسائي والحاكم؟

ادعى أبو حفص أن النسائي إنما اتهموه بالتشيع لكونه صنف كتابا في أحاديث في فضل علي رضي الله عنه.

والأمر ليس كما زعم ذ.أبو حفص؛ حيث بين الشيخ مصطفى باحو أن النسائي اتهم بالتشيع لأنه نُقل عنه انحراف على معاوية ومن معه.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/133): إلا أن فيه قليل تشيع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه.
ولعله تاب من ذلك: قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (71/175): وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال. فقد روي عن أبي عبد الرحمن النسائي أنه سئل عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الباب. قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة.
فما رأي الأستاذ؟
وقال الذهبي في السير (14/ 132): خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله. فقال: لا يرضى رأسا برأس حتى يفضل؟ قال: فما زالوا يدفعون في حضنيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى مكة فتوفي بها. كذا قال، وصوابه: إلى الرملة.
وفي تهذيب الكمال للمزي (1/ 339): أنه سئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع. فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل، وتوفي بها مقتولا شهيدا.
فموته بسبب كلامه في معاوية لا بسبب كتابه.
ولا تظنن أنك تتأسى بالنسائي، فالنسائي إمام من أئمة السنة، وكلامه في معاوية قد رجع عنه كما شرحت لك، وقد ألف كتابا في فضائل الصحابة جميعا كما في ترجمته. والنسائي لم نسمع عنه هذه الاتهامات الرخيصة في عثمان واتهام الأمة بالنصب وغير ذلك من الأمور التي صدرت عنك. وإذا كان النسائي قد رجع عن كلامه في معاوية فليكن قدوتك في الخير، كما هو قدوتك في ما رجع عنه من الشر.
وأما تأليفه لكتاب خصائص علي فقد بين السبب الذي دعاه لذلك، فقال: دخلنا إلى دمشق والمنحرف عن علي بها كثير، فصنفت كتاب”الخصائص”رجاء أن يهديهم الله. ثم صنف بعد ذلك فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها على الناس. تهذيب الكمال للمزي (1/338).
وجاءت في فضله عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار لم أر التطويل بذكر ذلك.
ثم ما رأي الأستاذ في أن النسائي خرج في سننه الصغرى والكبرى وعمل اليوم والليلة والإغراب وغيرها عن معاوية أحاديث عديدة وفي بعضها الترضي عنه؟
أقتصر على واحد منها من السنن الصغرى، وهو ما رواه (2/ رقم 676) عن أبي أمامة بن سهل قال سمعت معاوية رضي الله عنه يقول: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع المؤذن فقال مثل ما قال.
وما رأيه مرة أخرى أن النسائي صنف كتاب فضائل الصحابة -وهو مطبوع- ورتب الخلفاء على ترتيبهم المعروف عند أهل السنة؟

وأما دندنته حول الحاكم ورميه بالتشيع وتعليله ذلك بكونه أخرج فضائل علي بالأسانيد الصحيحة، أو أن عنده زيادة محبة لعلي.
فغلط لا شك فيه، وإليك البيان: الذي من أجله اتهم الحاكم بالتشيع هو طعنه في معاوية ومن معه كما تقدم عن النسائي، في سير أعلام النبلاء (17/ 174): قال الحافظ محمد بن طاهر عن الحاكم: كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفا غاليا، عن معاوية رضي الله عنه وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه.
وقد دافع السبكي في طبقات الشافعية (4/167) عن الحاكم ورد كلام ابن طاهر المتقدم ومال في آخر كلامه لما يلي: فأوقع الله في نفسي أن الرجل كان عنده ميل إلى علي رضي الله عنه يزيد على الميل الذي يطلب شرعا، ولا أقول إنه ينتهي به إلى أن يضع من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ولا إنه يفضل عليا على الشيخين بل أستبعد أن يفضله على عثمان رضي الله عنهما فإني رأيته في كتابه الأربعين عقد بابا لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان واختصهم من بين الصحابة وقدم في المستدرك ذكر عثمان على علي رضي الله عنهما… إلى آخر كلامه.
وزيادة محبة بعض الصحابة لا شيء فيها، نعم بشرط أن لا تخرج عن المأذون شرعا كما فعلت الإسماعلية وغلاة الرافضة والشيعة في علي: قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (17/ 169) معلقا على حديث (إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق): وهذا أشكل الثلاثة فقد أحبه قوم لا خلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من النواصب، فالله أعلم.
قال محقق السير: وجد على هامش الأصل تعليق على استشكال الذهبي ونصه: قلت: لا إشكال، فالمراد: لا يحبك الحب الشرعي المعتد به عند الله تعالى، أما الحب المتضمن لتلك البلايا والمصائب، فلا عبرة به، بل هو وبال على صاحبه كما أحبت النصارى المسيح. انتهى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *