لماذا اخترنا الملف؟

يتعرض الصومال إلى مجاعة خطيرة تنذر بكارثة إنسانية وبموت ما يقارب 2 مليون مِن هذا الشعب المسلم في غضون شهرين، الأمر الذي يستحث كل مَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن يؤدي واجبه تجاه هذه الفجيعة لاعتبارات كثيرة، منها الأخوة الإيمانية التي ربطت بين المسلمين في شتى بقاع الأرض على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وديارهم، وجعلتهم كـ(الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)، ووجوب التعاون والتكافل والتآزر بين المسلمين أينما كانوا وحلوا وارتحلوا، وعدم اتخاذ الأخطاء والفساد المستشري والحروب التي دارت بين الصوماليين ذريعة لعدم مواساة الشعب الصومالي المطحون بين هذه وتلك، فنحن لا نترك حقًا لباطل، وعلينا أن نبذل وسعنا في تكثير الخير والصلاح، وتقليل الشر والفساد ما وسعنا الأمر. (انظر: وقفات مع مجاعة الصومال، سعيد عبد العظيم)
فمجاعة الصومال أبلغ من كل رثاء، فليس الخبر كالمعاينة، ومع هذه المشاهد الدامية والمبكية إلا أن من القلوب كجلمود صخر حطّه السيل من علِ! فمنَّا من استحوذت عليه الأثرة واستعبدته حظوظه، ومنا من استولت عليه الوطنية الضيقة! فإن كان متوجعاً فعلى المواطن فحسب! وفئام غارقون في سياحة التسكع، وآخرون يكابدون التخمة بالمقبلات قبلها والمهضمات عقبها! وقليل منا من يحزن لمصاب إخوانه لكن ماذا عساه أن يقدم غير الدعاء!؟
فجمع التبرعات للجوعى لا يقل خطراً عن ترويج الحشيش والهيروين!
لقد تمعّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا رأى قوماً من مُضَر وما بهم من الفاقة؛ فحثَّ على الصدقة وتتابع الناس على الصدقة بالطعام والثياب، فاستنار وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه مُذْهَبَه.. (والحديث في صحيح مسلم).
وكان أويس القرني إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب؛ ثم قال اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عُرياً فلا تؤاخذني به. (الحلية 2/87).
وتصدق محمد بن عبدوس المالكي بجميع غلة بستانه في ليلة شاتية؛ وقال: ما نمت الليلة غمَّاً لفقراء أمة محمد صلى الله عليه وسلم. (انظر: الصومال وحجارة القلوب! د. عبد العزيز آل عبد اللطيف).
ولئن كانت بعض الدول قد أطلقت -بعد انصرام أكثر من أسبوع عن دق ناقوس الخطر في هذا البلد- حملة لجمع التبرعات لهذا البلد المنكوب؛ فلا زالت العديد من الدول الأخرى تغط في نومها؛ وتدير ظهرها إلى ما أصاب المسلمين في الصومال.
وقد أنشأ بعض الغيورين المغاربة صفحة على الفيسبوك تحمل اسم الحملة المغربية لإغاثة الصومال؛ حاولوا أن يقدموا من خلالها عددا من المواد التحسيسية بالوضع في هذا البلد؛ ووجه المشرفون على الحملة نداء للدولة المغربية لتبني قافلة إغاثة عاجلة إلى الصومال، لكن لحد الآن لم تظهر أية مبادرة رسمية من الحكومة المغربية، وهذا ما دفعهم إلى حث الناس على التبرع لمنظمات أجنبية موثوقة ومشهود بنزاهتها في انتظار تجاوب الحكومة مع الوضع المزري لهذا البلد الشقيق.
إن الصومال -على الرغم من كل ما يحدث فيه- بعيد كل البعد عن محلِّ اهتمام العرب والمسلمين؛ فبالكاد نسمع عن الصومال حينما تشتد المجاعة أو ترتفع وتيرة المعارك بين المتنازعين المتقاتلين، وبالكاد نسمع عنه حينما يكون هناك بعض التطورات السياسية المهمة، وما عدا ذلك فلا نسمع عن الصومال شيئًا؛ فالجامعة العربية نسيت (أو تناست) أن الصومال دولة عربية لها مقعد في هذه الجامعة المتفرِّقة.
وحتى عندما قامت القوات الإثيوبية باحتلال الصومال لم تتحرك الجامعة العربية ولا المنظمات الإسلامية لإجبار إثيوبيا على الانسحاب من الصومال، وكأن الصومال جزء من روسيا أو الصين، لا يهمنا ولا يعنينا الذي يجري فيه من أحداث، وهذه مصيبة!
علما أن السمة البارزة للتاريخ الصومالي شعبا وحكومات وممالك هي سمة الصراع الديني البحت الجليّ، بين مسلمي الصومال ونصارى الحبشة، أضف إلى تلك الخلفية الدينية الكاملة للصراع وقوع بلاد الصومال في واحدة من أكثر البقاع السحرية في العالم، في القرن الإفريقي واسطة عقد القارة، وهمزة الوصل بين الحضارة العربية والإسلامية والحضارة الإفريقية.
حيث تشرف الصومال على مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي يعتبر أهم المضايق المائية على مستوى العالم، وهذا المضيق مكثت البرتغال تقاتل اليمن والصومال وتنزانيا طيلة القرن العاشر الهجري والسادس عشر الميلادي للسيطرة عليه والتحكم في ممرات التجارة العالمية من خلاله، فالصومال يشرف على العالمين العربي والإفريقي على حد السواء ويعتبر مفتاح استراتيجي شديد الأهمية للسيطرة على حركة الملاحة العالمية.
هذا الخليط الفريد من مقومات الشحن الديني والحضاري والسياسي والاستراتيجي جعل الصومال واحدة من أكثر بقاع العالم اضطرابا والتهابا، وعلى أراضيه جرت عشرات الفصول من الصراع بين القوى الاستخرابية القديمة والمعاصرة، وقسمت البلاد عدة مرات بين الانجليز والفرنسيين والطليان والأحباش ولم تعرف بلاد الصومال معنى الاستقرار أبدا إلا قليلا، وكان البديل فيها عن الاحتلال الأوروبي والحبشي حكما استبداديا شيوعيا عاتيا شديد الكراهية للإسلام والعروبة. (الصومال وتسييس النكبات؛ شريف عبد العزيز الزهيري).
تاريخ الصومال الذي هو جزء لا يتجزأ من واقعه المرير يحمل في طياته الكثير من عوامل التأثير الحاضرة والفاعلة على سير الأحداث اليوم في الصومال، ففي الصومال كل شي، وأي شيء مسيس ويتقاطع مع أجندات داخلية وخارجية..
ولتجلية الصورة حول هذا البلد المسلم الغني بموارده وقدراته ارتأينا فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *