التاريخ الإجرامي للاحتلال الفرنسي العلماني طابو آخر مسكوت عنه (م.ح)

بقي المغاربة تحت سيطرة الإمبراطورية الفرنسية، قرابة نصف قرن، يرزحون تحت حكم علماني استعماري أذاقهم الويلات، الإمبراطورية الفرنسية العلمانية الاستعمارية دامت أزيد من ثلاثة قرون ونصف، تنشر الرعب والإرهاب والدمار في أقطار شتى، تذيق شعوبها أصناف الإذلال والاستغلال.
بسطت الامبراطورية الفرنسية حكمها العابر للحدود على شبه القارة الهندية والقارة الآسيوية والقارة الإفريقية وأمريكا الشمالية والكرايبي. وسطرت تاريخا أسودا من الجرائم، لاتزال تأبى الاعتذار عنه أو حتى الاعتراف به.
إن تاريخ فرنسا هو تاريخ تطبعه المسيحية والعلمانية، ورغم شعارات سماحة المسيحية وإنسانية العلمانية، إلا أن فرنسا مارست إجرامها البشع بحق شعوبنا، وهي تستظل بظل العلمانية وتحكم بقيمها وقوانينها.
فقد صدر أول قانون صريح بفصل الكنيسة عن الدولة عام 1871، ثم صوتت الجمعية الوطنية الفرنسية بالأغلبية على قانون فصل الدولة عن الكنيسة عام 1905، ما وضع حدا لزواج كاثوليكي بين الطرفين عاش قرونا طويلة.
لقد مرت العلمانية الفرنسية بثلاث محطات كبرى، سميت المرحلة الأولى (الممتدة من منتصف القرن الـ18 إلى منتصف القرن الـ19) بالعلمانية المقدسة حيث كان الصراع مستحكما بين الدولة والكنيسة، ثم بدأت مرحلة العلمانية الراديكالية عام 1880 حين أقرت القوانين أن الجمهورية ليست بحاجة إلى الله لتسيير أمورها، ثم جاءت المرحلة الثالثة عام 1905 لتكون مرحلة اكتمال بناء العلمانية الفرنسية وقوننتها في الدساتير. وسيعرف القانون من بعد بصفته العلمانية التي يحتفظ بها حتى اللحظة.
القصد من هذا التأريخ للعلمانية الفرنسية هو الوصول إلى أن الاستعمار الفرنسي لا ينفك عن العلمانية، وأن الحروب الاستعمارية التي خاضتها فرنسا، والحروب العالمية المدمرة، كانت تحت يافطة العلمانية.
وفي الوقت الذي يتحدث الكثير من الباحثين والمفكرين والمثقفين، عن التاريخ الإسلامي، وعن ضرورة تجاوزه والاعتبار به والاعتراف بالأخطاء التي مورست خلاله، لا نرى دعوات مماثلة موجهة للتاريخ الغربي والتاريخ المسيحي والتاريخ العلماني عموما، والتاريخ الفرنسي على وجه الخصوص.
جرائم فرنسا العلمانية الاستعمارية، في كل من سوريا ولبنان وجيبوتي وتونس والجزائر وغيرها من الدول أكثر من أن تعد، وفي المغرب نهبت فرنسا ثروات البلاد، وقتلت العباد، ومثلت بجثثهم، فقد تعرضت قرى كاملة في مناطق الأطلس والريف لعقاب جماعي، بسبب المقاومة التي كانت تبديها.
ولعل أبشع صور العقاب الجماعي الذي كانت تنزله فرنسا بالمواطنين المغاربة وقتها صورة التمثيل بجثث 15 مغربيا إبان مواجهات أكوراي بإقليم مكناس، وحدثت هذه المواجهات إبان تغلغل الاستعمار الفرنسي في الأطلس بعد توقيع اتفاقية الاستعمار، حيث كانت فرنسا تريد السيطرة التامة على منطقتي فاس ومكناس لضمان المواصلات مع الجزائر ومنطقة الرباط الدار البيضاء.
وعملت القوات الفرنسية على فصل الرؤوس ووضعها بشكل منتظم وتصويرها، وتبقى قمة البشاعة هو تحويل هذه الجريمة إلى بطاقة بريد تحمل طابع الجيش الفرنسي وكأنه فخور بقطع الرؤوس.
جاء في تقرير اللجنة الإفريقية عام 1833 إلى الحكومة الفرنسية التي كانت كلفتها بالتحقيق في الجرائم ما يلي: “هذه هي طريقتنا في الحرب ضد العرب.. قتل الرجال وأخذ النساء والأطفال ووضعهم في بواخر ونفيهم إلى جزر الماركيز البولينيزية باختصار: القضاء على كل من يرفض الركوع تحت أقدامنا كالكلاب، لقد أحصينا القتلى من النساء والأطفال فوجدناهم ألفين وثلاثمائة، أما عدد الجرحى فلا يكاد يذكر لسبب بسيط هو أننا لم نكن نترك جرحاهم على قيد الحياة”.
الضابط الفرنسي مونتايناك: “لقد حطّمنا ممتلكات المؤسسات الدينية وجردنا السكان الذين وعدناهم بالاحترام.. وأخذنا الممتلكات الخاصة بدون تعويض .. وذبحنا أناسا كانوا يحملون عهد الآمان.. وحاكمنا رجالا يتمتعون بسمعة القديسين في بلادهم.. لأنهم كانوا شجعانا”.
جرائم متعددة ومتنوعة بين فصل للرؤوس، وحرق بالنار، وزرع للألغام، وسبي للنساء واغتصاب لهن، وحرق للمحاصيل، وتجريب للأسلحة النووية وغيرها، كلها جرائم يحفل بها تاريخ فرنسا العلمانية، ومع ذلك لا أحد يتهم النظام العلماني بالتطرف والإرهاب، ولا أحد يتحدث عن التاريخ الإجرامي والإرهابي للنظام العلماني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *