المسلمون يحتقرون عقائد الآخرين انطلاقا من أن دينهم وحده هو الصحيح وهذه فكرة عنصرية تغذي العنف والكراهية!! (الأمازيغي المتطرف أحمد عصيد)

أما العلماني المتطرف “أحمد عصيد” فقد ادعى أن الكنيسة “كانت تجد في سلطتها الروحية وازعا كافيا لممارسة سلطة زمنية عبر السيطرة على الدولة وكل أجهزتها من أعلى هرم السلطة إلى أسفله مثلما كان علماء المسلمين.. كان مفهوم الحق الإلهي الذي يجعل سلطة الحاكم مستمدة من السماء عبر وساطة الكنيسة مجسدا -أي عند المسلمين- في مفهوم “خليفة الله”أو “ظل الله” في الأرض، والذي جعل مفهوم “البيعة” يتحدد في أدبيات السياسة الشرعية كنوع من التفويض الإلهي للسلطان عبر وساطة أهل الحل والعقد” (أحمد عصيد؛ قدر العلمانية في العالم العربي ص:152).

هذا هو ديدن نحلة العلمانيين الاستئصالية؛ ما تكاد تذكر “خلافة راشدة” أو “سياسة شرعية” أو “حكم بما أنزل الله” حتى تثور ثائرتهم؛ ويخرجوا معجم مصطلحاتهم التي باتت محفوظة عندنا عن ظهر قلب، فتراهم يصيحون ويولولون بمن يحاول استرجاع “الحكومة الدينية”؛ تلك الحكومة التي لا تذكرهم إلا بفضائع حكومة ملوك آشور في مصر، وقساوسة وباباوات الكنيسة في أوروبا الذين كانوا يحكمون -حسب زعمهم- باسم الإله! ويمارسون أبشع صور الظلم والطغيان والتجبر؛ حتى طاردوا العلماء والمفكرين والمصلحين؛ وقتلت محاكم تفتيشهم -حسب ما ذكر بعض المؤرخين- منذ نشأتها في القرن الثالث عشر حتى إلغاءها في نهاية القرن الثامن عشر ما لا يقل عن تسعة ملايين من الناس. (انظر: كتاب محاكم التفتيش للدكتور زكي علي؛ ص:500).
وكلام الأمازيغي المتعصب عصيد ما هو إلى اجترار وتكرار لما روَّجه بعض نصارى وعلمانيي الشرق؛ الذين لا يتوانى -بالمناسبة- في موالاة كل من تبنى منهم الفكر العلماني؛ والبراءة من بكل سعى منهم إلى تحكيم شريعة رب العباد بين العباد؛ وسياسة الدنيا بالدين.
فقد سبقه إلى ذلك علمانيون كثر؛ كلويس عوض الذي في أعرب في حديث له مع مجلة المصور “أن المعركة الديمقراطية المصرية كانت دائما معركة بين (الحق الإلهي) وبين من يدعون بـ(الحق الطبيعي)؛ والذين يدعون بالحق الإلهي يريدون حرمان الشعب من ممارسة حقه الطبيعي كمصدر للسلطات”.
وصرح أحد غلاتهم بقوله: (أنا شخصيا أرفض تماما الدولة الدينية أيا كان شكلها.. أرفض قيام دولة دينية إسلامية) (حوار حول قضايا إسلامية لإقبال بركة 173).
وعندما سئل ولماذا ترفض تطبيق الشريعة الإسلامية؟
أجاب: (ببساطة أنا ضد تطبيق الشريعة فورا أو حتى خطوة خطوة.. لأنني أرى أن تطبيق الشريعة لا يحمل في مضمونه إلا دولة دينية.. من يقبل بالدولة الدينية يقبل تطبيق الشريعة.. ومن يرفض الدولة الدينية يرفض تطبيق الشريعة) (حوارات حول الشريعة لأحمد جودة:14).
علما أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية عند المسلمين قاطبة ضرورة عقدية في المقام الأول؛ لارتباطها بأصل الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا.
ذلك أن من أظهر خصائص الربوبية تفرد الله جل وعلا بصفتي الخلق والأمر كما قال تعالى: “أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” (الأعراف:54) ولا مجادلة بين أحد من المسلمين في أن منازعة الله في شيء من الأمر كمنازعته في شيء من الخلق ولا فرق.
وقال تعالى: “إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ” (يوسف:40).
فالحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الشرع لا غير، والتحليل والتحريم والأمر والنهى والتشريع المطلق حق خالص لله جلا وعلا، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما أوجبه، ولا شرع إلا ما شرعه، فمن نازع الله في شيء من ذلك فقد نازع الله في ربوبيته.. وقد انعقد على هذا المعنى إجماع الأمة كلها في مختلف الأعصار والأمصار؛ ولم يشذ عنه على مدى هذه القرون الطويلة فيما نعلم أحد”. (انظر تحكيم الشريعة ودعاوى الخصوم للدكتور صلاح الصاوي).
قال الدكتور سليمان الطماوي عميد فقهاء القانون العام في مصر: “إن المسلمين لم يتركوا الشريعة الإسلامية مختارين بل أكرهوا على ذلك؛ نتيجة للامتيازات الأجنبية التي استشرت في الوطن العربي، ولخضوعه للاستعمار الغربي لمدة طويلة، ومن ثم فإن العودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية إنما هو في الحقيقة لتصحيح أوضاع غير طبيعية”. (السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة).
فالأصل عند المسلمين قاطبة هو تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع مجالات الحياة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية؛ والمطالبة بتحكيمها وتفعيلها ما هو مطالبة بعودة الأمة إلى وضعها الطبيعي فحسب؛ ومن تم يتبين لنا أن تشغيب المدعو عصيد على نظام الحكم في الإسلام ما هو إلا مكابرة في الحق؛ وإصرار منه على إعمال نظام حكم أقره الاحتلال الفرنسي؛ الاحتلال الذي قتل آباءنا وأجدادنا؛ وهتك أعراضنا؛ ونهب خيراتنا؛ وغير شريعتنا.
فما يمكننا أن نستخلصه من مواقفه العدائية والاستئصالية: أن هذا الشخص إما موال للغرب معاد للمغاربة المسلمين وما يخدم مصالحهم؟!
وإما أنه مستلب؛ فاقد لقدرة التمييز واقع تحت تأثير نفسي خطير؟! فيحتاج إلى علاج!!
ثم استمر عصيد في انتقاده مدعيا أنه: “لا ينبغي أن ننسى بأن الكثير من المسلمين إذ لا يقبلون أن تمس عقيدتهم أو تهان، لا يجدون أي حرج في احتقار عقائد الغير انطلاقا من أن دينهم وحده الصحيح؛ وباقي الأديان محرفة، وهذه فكرة عنصرية تغذي العنف والكراهية” (أحمد عصيد؛ قدر العلمانية في العالم العربي ص:171-172).
هذه هي عقيدة العلمانيين في نصوص القرآن الكريم والسنة وإجماع علماء الأمة؛ فهم يعتبرونها: مجرد أفكار عنصرية تغذي العنف والكراهية.
فنحن المسلمين نقرأ في كتاب الله تعالى قوله سبحانه: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) المائدة:17، وقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المائدة:73، وقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ، اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) التوبة:30-31.
وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم نقرأ أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) (صحيح مسلم؛ ح:153).
شرح الإمام النووي رحمه الله هذا الحديث المضمن في صحيح مسلم 2/188 بقوله: “قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يسمع بي أحد من هذه الأمة”، أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة، فكلهم يجب عليه الدخول في طاعته؛ وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على ما سواهما، وذلك لأن اليهود والنصارى لهم كتاب، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى، والله أعلم) اهـ. كلام النووي.
وهذا لا يعني أبدا الاعتداء على غير المسلمين أو ظلمهم أو إرهابهم.. فهذا مخالف لسماحة الإسلام ورحمته وعدله وشموليته؛ إذ تتوجب في حق هؤلاء الناس الذين طالتهم “فوبيا” الإسلام؛ ولم يبلغهم عنه إلا أنه دين عنف وتطرف وظلم للمرأة وحبسها وراء نقاب أو حجاب.. الدعوة إلى الله بالتي هي أحسن للتي هي أقوم.
ثم كيف لنا نحن المغاربة أن نقبل هذيان عصيد هذا؛ ونحن الذين نختم كتاب الشفا داخل مساجد المملكة المرات تلو المرات؛ هذا الكتاب الذي قرر فيه القاضي عياض رحمه الله أنه: “..وقع الإجماع على تكفير كل من دافع نص الكتاب أو خص حديثا مجمعا على نقله مقطوعا به مجمعا على حمله على ظاهره؛ كتكفير الخوارج بإبطال الرجم؛ ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل؛ أو وقف فيهم؛ أو شك أو صحح مذهبهم؛ وإن أظهر مع ذلك الإسلام واعتقده” اهـ (الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2/286).
هذا كلام علمٍ من أعلام المالكية وذاكَ كلام غرٍّ من أبناء الطائفة العلمانية؛ فمن منهما نصدق؛ ومن منهما نقدم! واللبيب تكفيه الإشارة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *